الاثنين، 30 نوفمبر 2015



                     الكنداكة السودانية في زمن العهر والفجور     
بقلم : بدرالدين حسن علي

                              جمعتني جلسة كنت فيها " الذكر " الوحيد ، والبقية " نسوان سودانيات من مختلف بقاع السودان"كان الهدف إلقاء محاضرة عن المسرح و فن السينما ، بدات محاضرتي بذكرى محزنة تتعلق بثورة 21 أكتوبر 1964عندما تم هدم سينما برامبل " قديس "   إذ قام بعض الناس بإسقاط تمثال نهضة المرأة بعد أن وضعوا حبلا على عنق التمثال وربطوه بعربة حتى أسقطوه هشيما ، أما سبب ذلك فغالبا  التخلف والجهل واحتقار وازدراء المرأة .
                                           منذ سنين  طويلة توصلت إلى قناعة راسخة أن المرأة السودانية أثبتت  قدرات غير عادية دفاعا عن الشعب وحقوقه في حياة حرة كريمة ، ودفاعا عن المرأة وحقوقها وكرامتها ، وعن الطفولة والأسرة ، ودفاعا عن الآلاف من النساء في الريف والحضر ، ولعل أصدق ما يمكن أن يقال أن المرأة السودانية لا فرق عندها بين حلفا ونمولي ، أو الجنينة وسواكن ، فدائما نضالها وكفاحها من أجل كل السودان قراه مثل مدنه ومدنه مثل قراه .

                         منذ 1989 والمؤتمر الوطني وقوى الضلال والفسق والفجور تستهدف المرأة السودانية ، خطفا وتعذيبا وجلدا بالسياط والإعدامات والإغتصابات وكافة أشكال القهر في إنتهاك واضح وصريح للقانون والدستور ، وأستطيع أن أقول بملء الفم أن المؤتمر الوطني هو داعش وربما داعش أكثر رحمة من المؤتمر الوطني ، منذ سنين والظلم والقهر يطال المرأة السودانية في إنتهاك صارخ لكل أشكال التعليم والمعرفة ومكافحة الأمراض والعلل التي عرفها الإنسان السوداني ، المرأة للجنس لا غير ، من كان هذا فكره ومعتقده فليذهب إلى الجحيم .
.
.
                      مسؤولون كبار يستهدفون المرأة ، حتى رئيس جمهوريتنا يقال كان يجلد والدته ، وجاري في الحلة كان يجلد والدته ، ويتناسوا دورها  الذي تسجله بحضورها الشجاع وحماسها الرهيب  في التربية و بين الجماهير الشعبية ، وتصاعد دورها كتفا لكتف مع الرجل ،  كما شاهدنا في الكثير من المواقف التي وقفت فيها المرأة السودانية مواقف بطولية ومشرفة ،  وإني لأنظر بكثير من التحقير للهجوم الشرس على المرأة والنيل منها في ملبسها وطعامها وطريقة تعاملها مع مجتمعها وواقعها ، وقد تعرفت على  عشرات النساء السودانيات فلم أر فيهن غير النبل  والصمود والشهامة والكرم والصدق والقوة والشجاعة والتحدي والصبر .

           لقد صادفتني الكثير من المواقف الباهرة من أجل الإستقلال وأكتوبر ومارس وأبريل  وسبتمبر والمعارك الطاحنة في شتى أنحاء  الوطن ، ومعارك كردفان ودارفور والنيل الأزرق  ، من أجل الأطفال والشباب والأخذ بأيديهم نحو الحرية والعدالة والديمقراطية  ، و يذهب مسؤولون و من كتل حاكمة الى محاولة شقّ الصفوف بالتفريق بين نساء  الولايات ، و يسعون لأحداث فجوة بين محجبات و لامحجبات و بربطات شعر و دونها. ، في توسلٍ لأية وسيلة قد تمكّنهم من انتزاع مشاركة المرأة في الحراك الجماهيري بمنظورهم القاصر التعيس، ضمن محاولات اوسع تجري لتجميدها  ، الذي لا يعني الاّ تجميد نصف المجتمع من المشاركة في الحراك الشعبي الهائل الجاري، السند الحقيقي للعملية السياسية و لإصلاحها و تطويرها.
                و يرى مراقبون ان التهجّم يتصاعد بأشكال متنوعة لايحددها شئ ، وسط انواع التساؤلات عن معاني هذا التخبّط الحكومي لمسؤولين في الظروف الحرجة التي تمرّ بها البلاد، التي تتطلب وحدة الصف الوطني بكل مكوناته البشرية، باصلاح مايجري و الإستجابة لمطالب الجماهير من اجل زيادة القدرة على مواجهة داعش و مواجهة اعتى المخططات الإجرامية الجارية، فيما يتساءل كثيرون عن معاني ذلك من مسؤولين و هم المتحدثون باحاديث مملة طويلة عن  حوار وطني بلا جدوى، بينما يسعون بكل طاقاتهم لتجميد و استعداء نصف المجتمع ؟؟
                       ناسين بأن الحركة النسائية  السودانية  و دور المرأة  السودانية  لايقلّ عن دور المرأة الأوربية و المصرية و التونسية و اللبنانية اللواتي شاركن بصنع الإنتفاضات التي اطاحت بدكتاتوريات تجبّرت لعقود في المنطقة، ان لم يزد عليها لترافق عنصر الوعي السياسي و الفكري الذي تبلور لدى المرأة السودانية  منذ سنين طويلة  في المشاركة الفعالة في النضال الشاق ضد الدكتاتورية الدموية و الحروب، و نضالاتها و تضحياتها الجسيمة بشهادة اعداد شهيداتها الخالدات، في سوح الاعدام و في المعتقلات البربرية و اقبية التعذيب و في جبال و سهول  الغرب والجنوب والشرق والشمال وفي الخرطوم وأم درمان .   . .
            قرأت مقالا للصحفية بدور عبداللطيف فأذرفت دمعا من خلائقه الكبر ، لأنها قاومت بشجاعة ضد المرض ،   فالمرأة السودانية ساهمت بفاعلية نادرة في المقاومة  ضد الجوع والمرض والنضال  من اجل التحرر و الديمقراطية، وفي وثبات و انتفاضات الشعب  السوداني طيلة عقود، و قدّمت من اجل تلك الأهداف انواع التضحيات و كانت ضمن عشرات الآلاف ممن اقتيدوا الى مذابح الدكتاتورية و الى جرائم موتها الجماعي، و لاتزال ضحية من ضحايا مذابح الإرهابيين سويّة مع كل ابناء الشعب العزّل.
                   من ذلك و غيره و اثر مناقشات حامية و صراعات، ثبّت الدستور حقوقها التي لم يكتمل تسجيلها، الاّ ان الدستور ثبّت حقّها في الانتخابات و الترشيح لها و الترشيح لكل مناصب الدولة، و ثبّت حقها بنسب أُقرّت في مؤسسات الحكم. . اضافة الى حقّها بابداء الرأي و بالمشاركة بالفعاليات الشعبية و فعاليات المجتمع المدني، و الذي وفقه تعمل الأحزاب الإسلامية الحاكمة على اشراكها بفعالياتها الجماهيرية و ندواتها الموسعة.
                    و يشير صحفيون و سياسيون و قانونيون الى ان احقاق حقوق المرأة ليس صدقة او رحمة من جهة ما، و انما هي قضية اساسية ـ و ليست ديكور ـ لتحرر و تمدّن المجتمع بأسره، و ان ما تستحقه  المرأة من حقوق هو نتاج قرون طويلة من صراعات انسانية من اجل العدالة الإجتماعية و من اجل عائلة و طفولة سعيدة، ثبتت بنودها في العهود و المواثيق الدولية التي تجبر الدول على الالتزام بها.
                   و يلاحظ ان مسؤولين  كبار  ينسون او لايعرفون ان تحرر المرأة و نصرة قضاياها، يعني تحرر طاقة هائلة من شعبنا تدفع نحو الحداثة و التطور و التمدّن  ،و الى التفاعل مع تطورات عالم اليوم في جعل  سوداننا اكثر تحرراً و اكثر كسباً لدول العالم لدعمنا في معاركنا القاسية . .
                   ان حصول المرأة  على مواقع فاعلة في المجتمع، مكسباً و تعزيزاً كبيراً للطاقات الثورية الخلاقة في المجتمع  ، و دفعاً لعجلة تجديد حقيقي و اصلاح  . الأمر الذي قد يبدو انه صار يرعب الجهات الأكثر تطرفاً من احزاب الاسلام السياسي، التي وصلت الى مراكز القرار بتوازنات و دفع من مصالح متغيّرة لقوى اقليمية و دولية.
                   إن سعي الكتل المتأسلمة الى قضم و تغييب قوانين حقوق المرأة، لايعني الاّ انحيازاً اعمى الى ذكورية المجتمع ،  و الى العودة الى العهود الحجرية و ازمنة الصيد  ،اضافة الى التدهور الاخلاقي الذي حصل و يحصل على يد ميليشيات الاسلام السياسي المسلحة ، و ممارساتها اللاخلاقية بحق المعارضين ـ وفق تقارير منظمات العفو الدولية .. .
                            نعم هذا هو عصر العهر والفجور : الرق و زواج المتعة و المسيار وفتوى  جهاد النكاح ،  الا يحق للمراة ان تشارك بفاعلية بالاحتجاجات الساعية الى الإصلاح و ايقاف تدهور البلاد و المجتمع ؟؟ و الا تستحق من الجماهير الشعبية و المسؤولين، كل الإحترام و التشجيع ؟؟

                               قالت لي :: النساء قادمات لا محالة .. قادمات على صهوة جواد  ، نعم يا شقيقتي دولة الطهر والعفاف والعدالة والمساواة  قادمة ،  سوف تقوم بشجاعة نساء بلادي وفكرهن المستنير ... وفتيل الثورة سوف تشعله النساء والمرأة حين تظلم  لا تهاب الموت .... الديمقراطية قادمة لا محالة
                            وماذا يسوى الرجال من غير النساء ؟؟ فهي اول مخلوق غسل قذارة الرجل وأطعمته وربته وعلمته الاخلاق الفاضلة والبسالة والشجاعة وهن اللاتي يحرضن الرجال علي خوض الحروب خلف الرجال واحياناً في مقدمة الصفوف .
                      عاشت مهيرة والكنداكة ، عاش كفاح ستات الشاي ، مربيات الايتام ودافعات مرتبات الولاة و الوزراء وأعضاء البرلمان ..
وهن مكتويات بنيران الشاي وغلاء المعيشة والكساء والدواء وارتفاع الضرائب والجبايات وفاتورة الكهرباء والماء وتعليم اليتامى.... فبدلاً من  دعمهن  أصبحن داعماَ اساسياً لخزينة دولة الإسلام بالمال ، ورغم ذالك معرضات للكشات وملاحقات المحليات ومصادرة العدة ........
                    احذروا إهانة ستات الشاي ... وتذكروا أول من قص شريط افتتاح عنبر حوادث مستشفى امدرمان ست شاي ... وأول من أ حرق محلية اركويت ست شاي !!!!.
                 وتذكروا أن أول من آمن بعد الرسول عليه السلام كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها !






الأربعاء، 18 نوفمبر 2015


أحزان السينما المصرية في وداع نجمها المثقف:

نور الشريف… كلاكيت آخر مرة
كمال القاضي
 
القاهرة ـ (القدس العربي) : مراسم عزاء الفنان القدير نور الشريف كانت دليلا دامغا على شعبيته الجارفة وتلمس جمهوره العريض لتميزه فنيا وإنسانيا.
عاش نو الشريف حياة مليئة بالصخب والأضواء ووصل إلى أعلى مستوى من الشهرة، ولكنه ظل يحمل بداخله روح الإنسان الآخر محمد جابر محمد عبد الله، ابن حي السيدة زينب المنحدر من أصول صعيدية، الطفل الذي فقد والده وهو لا يزال رضيعا وتربى في كنف عمه إسماعيل الذي تولى رعايته وعطف عليه وأنزله منزلة أبنائه.
تأثر محمد جابر الشهير بنور الشريف بهذه الشخصية الصارمة فتعلم منها الانضباط في الدراسة والعمل والحياة العامة، ولم ينس أن يضع لها اعتباراتها فيمنحها البطولة في عمل درامي تلفزيوني هو الأهم والأشهر في مشواره الفني، مسلسل )لن أعيش في جلباب أبي( إذ تقمص شخصية عبد الغفور البرعي تاجر الخردة العصامي وأسقط بعض ملامحها على عمه الذي استفاد كثيرا من تجربته.
لقد صرح النجم والفنان الكبير بهذه القصة إبان عرض المسلسل ونجاحه المبهر وكأنه أراد أن يرد الجميل للرجل الذي رباه في أن يجعله جزءا من تاريخه الإبداعي، هكذا كان نور وفيا بارا بمن تكفل به ورعاه طفلا وصبيا ومراهقا على أعتاب الشباب، ولهذه الأصالة وارتباطه بالأجواء الشعبية والطبقات البسيطة من أولاد البلد، جاء وداعه على النحو المشرف، وامتلأت قاعة مسجد عمر مكرم بفئات مختلفة من المعزين في احتفاء غير مسبوق اختلطت فيه مشاعر الحزن العميق بمشاعر الدفء والمودة، فالغالبية العظمى من الوسط الفني حضرت وتوافدت أفواجا وأطيافا، رغم سوء الأحوال الجوية وموجة الحر الشديدة التي عمت ربوع مصر والقاهرة.
وبين فئات المعزين وقفت الفنانة بوسي وابنتاه سارة ومي يتلقين العزاء بصبر وجلد في مشهد مؤثر للغاية، مضى نور الشريف إلى حيث يمضي الجميع، تاركا العظة والعبرة ودرسا مستفادا بأن كل شيء إلى زوال مهما طال الأمد، فنجم الأمس الذي طالما أحاطته الأضواء والتف حوله المعجبون وقطع أشواطا في السفر والترحال لحضور مهرجانات هنا وهناك لتكريمه ومنحه الجوائز والأوسمة والأنواط، سرعان ما تحول إلى ذكرى وانطوت صفحته الشخصية، ولم يبق منه غير إبداعه المتميز، أفلاما ومسلسلات ومسرحيات، نذكر بعضها للتدليل على موهبته الفذة وحسن اختياره للأدوار، لا إحصاء العدد، فالمنجز الإبداعي لا يقاس بالكم، بل القيمة الفنية التي يحملها المضمون هي الأدل والأهم، فمن بين 150 فيلما هي حصيلة ما قام ببطولته نور الشريف، برزت أفلام تمثل علامات حقيقية في مشواره الطويل، يأتي على رأسها ناجي العلي العمل الفني الاستثنائي في تاريخه الحاوي للفكر والفن والسياسة، والمعبر عن جل المواقف الصعبة والمواجهة الشجاعة للفنان الراحل الذي آمن بوطنه العربي الكبير وأدرك مسؤوليته تجاهه ولم يخش من إشهار سلاح النقد في وجوه حكامه، وأعلن رأيه بصراحة على لسان رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير فدفع الثمن فادحا.
ولم يصمت الفنان الكبير ولم يغض الطرف عن القضايا التي تشغله وجدد صرخته في إطار آخر عبر شاشة التلفزيون وخشبة المسرح، فكانت مسرحية )القدس( ومسلسل )ما تخافوش( بمثابة إصرار على مواصلة التنديد والشجب والتلميح، بأن لا شيء يهم أمام كلمة الحق.
ولم يكن ذلك جديدا على الفنان المشاكس الذي قدم في وقت مبكر فيلم «شوارع من نار» أحد الأعمال التي فضحت الواقع بسوءاته وفساده في أربعينيات القرن الماضي وفترة حكم الملكية، وهو ما تمت صياغته بشكل مختلف وقدمه مسرحيا في واحدة من مسرحياته المهمة )كنت فين يا علي( أوائل التسعينيات ليعيد الإسقاط مرة أخرى على أوجه الخلل والفساد رابطا بين الماضي والحاضر وإفرازات كل عصر وأوان.
ودأب النجم السينمائي الكبير على فكرة السير بالتوازي في دروبه الفنية العسيرة التي كثيرا ما جلبت له المتاعب وكانت سببا في إشعال الحروب ضده، فقد قدم في سنواته الأخيرة مسرحيتين مهمتين هما، )يا مسافر وحدك( و)الأميرة والصعلوك(، وكالعادة عرج البطل على القضايا السياسية والاجتماعية الأكثر إلحاحا من وجهة نظره، وكان على رأس ما طرح قضية الحرية بكل وجوهها ما يتعلق منها بالفرد والمجموع هو حق مكتسب لا يتجزأ، هكذا كان يراها ويؤمن بها.
الأفكار نفسها التي اتسمت بها أفلامه المهمة )أهل القمة( و)أيام الغضب( و)كتيبة الإعدام( و)البحث عن سيد مرزوق( و)ليلة ساخنة( وغيرها، فرغم الأبعاد والرؤى المختلفة في كل فيلم إلا أن المضمون الإجمالي واحد، الدفاع عن حقوق المواطن البسيط، ففي فيلم )آخر الرجال المحترمين( تتعدد الخيوط الدرامية فيبدو الموضوع من أول وهلة كأنه تربويا بينما في عمقه الأصلي هو رسالة متعددة المستويات والملاحظات تتعلق بالأخلاق والأمانة والتربية والتنشئة والتحضر، وكلها معان متصلة منفصلة تصب في خانة واحدة كان يعي نور الشريف ضرورة وصولها إلى الجماهير في أبسط الصور، وهناك قاسم مشترك بين كل أفلامه سواء المركب منها أو البسيط هو ذلك الاهتمام بالإنسان فهو محور الارتكاز في كل القضايا حتى في الأفلام التي تبدو فكرية وتاريخية كـ»المصير» على سبيل المثال ظل الاعتناء بفكرة التنوير كاحتياج إنساني وضرورة حتمية تحميه من شرور نفسه واضطراباتها.
المشوار الإبداعي طويل ومتسع لمعان كثيرة ولكننا سنكتفي بما أشرنا إليه وقصدنا من خلاله أن نرسم صورة بانورامية لنور ومشواره وفنه .
القدس العربى August 17, 2015

أنت هنا: دنيا المسرح دنيا المسرح مقالات

وليد ابو بكر كتب عن نور الشريف

عند الإعداد لفيلم ناجي العلي، جاء نور الشريف إلى الكويت، مع بشير الديك (السيناريو) وخيري بشارة (المخرج الذي لم يخرج الفيلم، وأخرجه عاطف الطيب)، وزاروا جريدة القبس، وخصوصا مكتب ناجي العلي، الذي شغلته بعد إبعاده، استنادا إلى العلاقة اليومية مع ناجي، منذ 1964، وحرصا على أن تبقى فيه روحه. وعرفناهم على الظروف التي عاشها الفنان الكبير، حنظلة فلسطين، وعلى الناس الذين احتك بهم، وعلى ظروف ترحيله أيضا، وعلى لحظات الرحيل ذاتها.
وبالرغم مما نال الفنان الكبير من هجوم بسبب الفيلم، كمعارضة فلسطينية رسمية أول الأمر، تحاورت حولها مع الزعيم الراحل (أبو عمار) في آب ، من العام 1988، في بغداد، بحضور الأخ أحمد عبد الرحمن والأخ عزام الأحمد والرفيق الراحل أبو فراس، وكثيرين آخرين، ثم كتطاول من الصحافة المصرية (نالني بعض منه، كما قال لي)، لأن العلي سبق أن رسم مبارك في كاريكاتير، إلا أن الراحل ظلّ يعتزّ بهذا الفيلم كثيرا، ويعتبره من أهم ما أنجز، وكان يحمل معه فيديو الفيلم ليهديه لأصدقائه، لأنه يعلم أنه حوصر. وقد نال الفيديو نجاحا وانتشارا أكثر من العروض السينمائية، لذلك امتلأت نسخ السوق بالإعلانات التي تقطع السياق. نسخة نور الشريف ــ دون إعلانات ــ وصلتني هدية منه قبل سنوات، ما زالت لديّ. حين شاهدتها، قبل فترة، قبل أن أودع جهاز الفيديو، حزنت كثيرا لأن ناجي العلي لم يستمع لنا يوم لقائه في بيتنا بأحد القادة، ولا ليلة سفره، حين قلنا له إنه ذاهب إلى لندن ليقتل. رحم الله ناجي العلي الرسام، وناجي العلي ـ بطل الفيلم، ورحمنا جميعا: أين كنا، وأين أصبحنا الآن؟


 
كتبت عن نور الشريف، إنسانا وفنانا، غير مرة، منذ العام 1966، في القاهرة والناس، حتى آخر ما كتبت، يوم جائزة القدس، أعيد التذكير به هنا:
 دفاتر الأيام

وليد أبو بكر
منذ أيامه الأولى في المعهد العالي للفنون المسرحية، لفت نور الشريف أنظار مدرسيه ومعارفه بثلاث صفات أساسية لم تتغير فيه حتى هذه اللحظة: موهبته الفطرية في التمثيل، وجديته في العمل، وانفتاحه الإنساني.
وعبر هذه الصفات التي تعمقت مع المعرفة والتجربة، استطاع هذا الفنان أن يسجل لاسمه مكانة رفيعة في عالم الفن العربي، إلى جانب أسماء حملت تلك الصفات، منذ عرف الفن المرئيّ الحديث طريقه إلى العين العربية.
هذه الصفات، وإن حافظت على أصالتها، تعمقت خلال السنوات، وصارت ملازمة لنور الشريف في عمله وعلاقاته ومواقفه الوطنية. ومن خلالها يمكن النظر إلى أعماله السينمائية، منذ دوره في فيلم (قصر الشوق)، وإلى أعماله التليفزيونية، منذ دوره في مسلسل (القاهرة والناس)، ثم إلى أعماله المسرحية، منذ ظهوره البسيط في مسرحية (الشوارع الخلفية).
سوف يكون من الصعب أن يلاحظ خروج حاد عن تلك الصفات. ورغم الفترات التي أغرت بعض الممثلين بالانسياق وراء ما هو تجاريّ، أو يتوافق مع الأوضاع العامة التي شهدت كثيرا من التهافت في بعض الأوقات، فقد التزم كليا بالكلمة التي قالها ذات مرّة: (مشروعات أفلامي غير متروكة للصدفة)، وهو ما ينسحب على كلّ أعماله بالطبع.
في تلك الفترات، حين شعر نور الشريف أن شيئا ما يسير في الاتجاه الخطأ، لم يتردد في التضحية، ولا في العمل على وقف ذلك. ومن أجل هذا الهدف، وتطبيقا لتوجهه العام، أنتج عددا من الأفلام التي أراد ألا تخضع للسوق التجارية. ورغم معرفته التامة بما كان يقدم عليه من مغامرة مادية، اختار المغامرة الفنية بوعي كامل، وحرّك عجلة السينما التي تحترم ذاتها، غير مرة، وهو ما يزال يفعل ذلك حتى الآن، عن طريق الإنتاج من ناحية، حين يستطيع، وعن طريق دعم العمل الذي يرى فيه خيرًا للسينما، بالتنازل عن جزء كبير من أجره، في حين يبالغ معظم فناني هذا الزمن في مضاعفة الأجور.
ولم يكتف نور الشريف بهذا الطريق في دعمه للفن، ولكنه ظلّ حريصا، منذ بدأ، على ضخّ دماء جديدة فيه، بترشيحه للمخرجين الشباب، وبدفعه للوجوه الجديدة إلى الأعمال التي يقوم ببطولتها، وهي وجوه تسير في معظمها على طريقه، وقد تجمعت حوله بالفعل، حين كرّمه مهرجان الإسكندرية السينمائي الأخير، الذي حمل اسمه، ما أثار فيه أحاسيس عميقة، لم يخجل، كفنان صادق، من التعبير عنها بالدموع، لأنها أشعرته بأن الجهد الذي بذله في هذا الاتجاه، لم يكن دون ثمار.
هذه الصفات التي ظلت جزءًا من طبيعته كفنان، انعكست على حياته كإنسان، سبق أن صرّح بأنه (مهموم بالإنسان بالفعل)، ولذلك اتسمت حياته بالصدق الحقيقي إلى جانب الصدق الفني، وبالاهتمام بالشأن العام، وبالموقف الوطنيّ الشجاع، الذي لا ينطلق من حماسة أو نزوة، ولكنه يورق داخل ثقافة واسعة، صنعها هذا الفنان من قراءاته المكثفة في كثير من المجالات، ومن علاقاته، وتأملاته، واتساع أفقه الذي لم يحصر اهتمامه في قضايا شخصية أو محلية وحسب، ولكنه عممه على القضايا العربية وقضايا الإنسان وحريته في كل مكان .
إن مواقف نور الشريف الوطنية والشجاعة لم يتم التعبير عنها في عدد كبير من أفلامه المهمة فقط، وإنما وصلت إلى وسائل الإعلام، بكل الطرق التي يصل إليها، فقد كتب وحاور وقابل وقوبل أكثر من أيّ نجم آخر، كما عرف عنه أنه لا يتأخر لحظة في التعبير عن موقفه تجاه أية قضية تخصّ الوطن العربي الكبير، الذي يعتبره وطنه، لأنه عندما يقدم فيلما لا يرضى بأن يكون موجها للجمهور المصريّ وحده، وإنما للعرب جميعا، (بهدف التقارب والفهم الأكثر نضجا).
ولأنه يضع قضية الوطن المحتل، قضية فلسطين، على رأس أولوياته السياسية، فإنه لا يتأخر عن أي دعم يستطيعه تجاه هذه القضية. وانطلاقا من هذا الموقف سبق أن رفض إغراء كبيرا بالشهرة العالمية والمال، حين شعر بأن في العرض يدا صهيونية. وانسجاما مع هذا الموقف أيضا، كتب بخط يده بيانات لإدانة الاحتلال، وتأييد للمقاومة الفلسطينية.
وهو من خلال ذلك يستمر في إقامة علاقات واسعة مع كل فلسطيني يتاح له أن يلتقي به، ليستمرّ في توجيه الأسئلة، وطرح الآراء، بحرص تام على أن تبقى القضية حية، وأن يستمرّ النضال من أجلها حتى تتحقق الآمال بتحرير القدس، التي يتطلع إلى تحقيق حلمه بأن يزورها، وهي في رعاية أصحابها، وأن يصلي في مسجدها الأقصى، لأنها تشكل جزءا من وجدانه، وهو يعتبر العمل من أجل تحريرها فرض عين.
والقدس، حين تقدّم له جائزتها، إنما تعترف له بكل جميل فيه، تجاه فنه، وإخلاصه العميق لقضايا وطنه، وعلى رأسها قضية القدس. ( )
أنت هنا: دنيا المسرح خواطر وليد ابو بكر كتب عن نور الشريف

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015



في ذكرى رحيله المؤلم "2011-2015"

كمال شيبون الإنسان ،  القائد والمثقف
بقلم : بدرالدين حسن علي
             كعادة السنوات تجري " قال ليك تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش " وها هي السنوات تجري منذ رحيله المفجع المؤلم في    16 نوفمبر 2011  ، أما زلت وحيدة يا أختي علوية البكري ، أنا أيضا أحس أني وحيد بعد فقداني للصديق الرائع الإنسان المبدع الفلتة كمال شيبون ، هذا الرجل يسكنني حيا وميتا ، ومنذ رحيله وإلى اليوم لم أجد مثله ، وحسنا فعل أخي وصديقي  الشاعر المرهف ابراهيم أبو ناجي فكتب عنه  ، وحسنا فعلت أخبار المدينة  فظل في ذاكرتها ، فمثل كمال لا يموت ، وتماما مثلما قال الكاتب المسرحي الكبير أنطون تشيخوف : سنذكرك يا كمال ولو بعد ألف عام ،  أكرر  التعازي للعزيزة علويه البكري الرفيقة المخلصة للراحل المقيم المهندس كمال اسماعيل شيبون ، والتعازي أيضا لشقيقه عبد المنعم ولجميع   أفراد الأسرة الكريمة في السودان وخارجه .  
 .                    لا جديد يمكن أن يقال عن كمال ،فقد سبق وأن أصدر سعيد شاهين صاحب ومؤسس "  أخبار المدينة "  عددا خاصا عن شيبون ،  طالعنا فيه مقالا كاربا كتبه شقيقه صلاح  وطالعنا فيه بكائية صادقة جدا كتبتها زوجته الرائعة علويه البكري ،  وكرمته الجالية السودانية في ال " سيتي هول "  في حفل مهيب القيت فيه كلمات في غاية الروعة وليس من مهام هذا المقال تقديم ملخص لما قيل رغم أهميته ، إلى جانب الدورة الرياضية المشهورة ،   ولكني سأتحدث عنه كما جاء في صدر المقال عن ثلاث خصال اجتمعن في كمال  " الإنسان ، القائد والمثقف " .

                     لكي أنعش ذاكرتكم   يوم الأربعاء 16 نوفمبر2011  فارقنا  الصديق الصدوق العزيز المهندس كمال إسماعيل شيبون  ،  القريب لقلوب جميع السودانيين في كندا ، فارقنا بعد معاناة قاسية مع مرض السرطان اللعين الذي داهمه على حين غرة وهو ما يزال في ريعان شبابه وقمة مجده وعطائه  ،  كان كمال شيبون أثناء مرضه بمرض السرطان يرسل لنا جميعا  رسالة بليغة لا تقبل القسمة على أثنين ، كان يرسل لنا رغبة ملحة في هزيمة السرطان ، وهذا أمر لا يمكن أن يدركه العامة ، بل هو أمر خاص بالخاصة ، فطوال فترة مرضه كان شيبون يقول لنا بالإمكان هزيمة حتى الموت بالإستعداد للرحيل وتهيئة الآخرين لتقبل الرحيل ، وبالفعل فقد هيئنا كمال لتقبل رحيله .
كمال الإنسان
              رحل كمال شيبون تاركا فراغا كبيرا في حياة كل السودانيين في كندا والسودان وفي الكثير من بقاع الدنيا ، رحل صاحب البسمة الناعمة والضحكة المجلجلة .. رحل سيد الحكمة والقلب الحنون .. رحل الذي قال للهدوء أنا الهدوء ، وقال للكمال أنا كمال  ، والكمال لله
 وحده  ،  قتلني رحيله المبكر كانما أنا الذي رحلت ويا ليتني رحلت قبله ، وقتل رحيله المئات وربما الآلاف من معارفه وأحبائه وأصدقائه الذين فاجاهم رحيله النبيل
                    رحل الذي قال للتسامح أنا التسامح وفارقنا في 16 نوفمبر وهو اليوم العالمي للتسامح .
                 كمال شيبون لم يكن في يوم من الأيام رئيسا لجمهورية السودان .. ولا كان وزيرا إتحاديا أو معتمدا أو محافظا ، ولم يكن رئيسا لحزب سياسي أو أي شيء من هذا
 القبيل ،  لم يكن صحفيا أو كاتبا أو شاعرا مشهورا  ،  كان حزبه هو السودان ، وقد عاش سودانيا ورحل سودانيا ومعتزا بسودانيته ، كان شخصا أكثر من عادي ، وهذا سر عظمته ،
يرحل الأب أو الأم وترحل الزوجة أو الشقيق والشقيقة ، و " نجعر " ونولول ونبكي بكاء
 مرا ،  وهذا من حقنا عندما يكون المصاب أليما ، ولكن يرحل أناس عاديون فيكون المصاب مفجعا أليما لا تجدي معه الدموع ولا البكاء ، هكذا كان رحيله ، بوسعي أن أكتب عنه أكثر من مقالة ، لأنه كان رجلا رائعا ،   كمال شيبون سبقنا إلى كندا بسنين كثيرة ، ولكن لم تبهره عمارات كندا أو الحياة المترفة فيها ، لازمته صفة واحدة فيها رئيس الجالية السودانية في أونتاريو ، أو بمعنى آخر رئيس الجالية في تورنتو ، ولو قدر لأي كان رِؤية مشهد تدافع السودانيين وغيرهم  ،  نساء ورجالا ،   إلى دار الجالية السودانية في شارع دانفورث الشهير يوم رحيله لأدرك أن هذا رحيل رجل عظيم ، وتشد من أزره إمرأة عظيمة هي علوية
البكري ،  ولو قدر لأي شخص رؤية تلك الفتاة الأثيوبية وهي توزع فناجين القهوة الحبشية في أحد أيام عزائه لعرف كم هو فقد عظيم ، ليس للسودان فقط بل لكل المحبين والنيرين  ، دعكم من هذا لماذا استمر العزاء لنحو خمسة أيام ؟ أعتذر لجميع رؤساء الجالية السودانية ، أعتذر للنور نادر وأقول له وفقك الله لخدمة الجالية في هذا الزمن الصعب ، اعتذر لمصطفى شلبي ولا اتصور أن يكون إسمك غير " المصطفى " فلك الشكر الجزيل على هدوئك وحنكتك ، فقد عبرت بنا رغم وعورة الطريق ، أعتذر للإنسان الخلوق الهاديء الحنين عمار عمر تاج الدين ، أعتذر لأستاذي القامة الرفيعة عبدالله عبيد المكتبة المتجولة والتاريخ الناصع ، أعتذر لك أسامة ميرغني فقد عرفتك وعركتك في الكويت وهنا في تورنتو ولم استغرب أن كل السلطنة  تشيد بك ، نموذج للسداني الأصيل ،  أعتذر لأختي آمال ميرغني المكلومة بفقدان أمجد فتضاعف حزني عليه وعلى كمال ، أعرف أن الفراق مؤلم يا آمال ، ولكن لن أنسى أبدا مواقفك الشهمة النبيلة وأنت ترأسين جاليتنا لسنوات
كمال القائد
                     يوم رحيله كنت أكبره بخمس سنوات ولكنه كان يستفزني بحنكته وحسن تصرفه وقدرته الفائقة في إدارة معركته ،  وكانت معركته التي جند لها كل إمكانياته وقدراته وحدة الجالية السودانية  في كندا ، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، ويبدو أن المعركة ما تزال مستمرة ،  كم نحتاجك اليوم يا كمال !!!وما زلت أتمنى وأعشم أن تزول كل الخلافات وتكون الجالية السودانية متوحدة مترابطة لتحقيق
 الأهداف ، وأعتقد أن السودانيين في تورنتو وكندا فقدوا " القائد الذكي  المحنك "  
                       يا كمال وأنت في قبرك وبعد مضي هذه السنوات العجاف  دعني أقول لك نحن لسنا أغبياء ، فنحن نعرف جيدا قدرك ، ونحفظك في قلوبنا أبد الدهر .
                       عدة مرات إتصل بي كمال كي أرافقه لحل مشكلة ما ، فكنت أتهرب ، ولكنه يتمكن من حلها ببساطته المعهودة ، ولاحظت أنه لا يذكر الحادثة مطلقا ، وتلك من صفات القائد المحنك .
                    ودعوني أصدقكم القول ، أني لم أر في حياتي إنسانا يجيد فن الإستماع مثله  فهو مستمع بدرجة جيد جدا ، وفن الإستماع صفة يفتقدها أكثرنا ، ولكنها من صفات القائد ، يعامل الجميع بالتساوي وعندما يمر بي شريط ذكرياتي معه أتذكر الشريط الهندي " كلهم أولادي " .
                      .الموت حق وكل نفس ذائقته .. إلا أن وقوع الحدث باكرا مؤلم .. مفجع .. محزن جدا ، ولكن كمال ما يزال يعيش بيننا  .







كمال المثقف
                      بلا إدعاء أجوف طنان  كان مثقفا جدا ومتواضعا جدا ، كان لا يتعالى على أحد ، أستطيع أن أقول وبالفم المليان كمال اسمه الحقيقي " كمال البسيط " ، تناقشت معه كثيرا حول قضايا المسرح والسينما  ، وكان متحمسا للأثنين معا ، قال لي ذات مرة أنه يريد أن يحول دار الجالية إلى قاعة مسرحية وصالة سينمائية ، قطعنا شوطا لا بأس به في مجال المسرح ، بدأنا ذلك بمحاضرات مختصرة  عن فن المسرح : سودانيا وعربيا وإفريقيا وعالميا .
                  بدأ المشروع في بداية التسعينات من القرن الماضي  عندما كان مقر الجالية في شارع بلور ، كانت المحاضرة الأولى  عن المسرح والسينما السودانية بدعوة رقيقة تلقيتها من صديقي عادل الوسيلة باسم اتحاد الشباب السوداني ،  وكنت يومها مقيما في العاصمة اوتاوا  ، واغتنمها مناسبة لأعتذر بكل شجاعة للأخ العزيز صلاح النعيم والشاب الوجيه أمير زاهر وبقية الحضور  لعدم إكمال الجزء الثاني من المحاضرة للرد على  الأسئلة ، وهو فعل شائن وقبيح أرتكبه لأول مرة ، أغوتني دعوه كريمة من علوية وكمال  لزيارة دارهم العامرة ،  وكنت أدخلها للمرة الأولى في حياتي  ولم يسعفني خالي عبدالله عبيد ، بل شاركني في ارتكاب الجريمة ،  وربما عوضني عن الغواية ذلك الحوار الطويل مع كمال حول المسرح والسينما .
              إنتقلنا بعدها إلى تورنتو وانخرطت منذ الأيام الأولى للعمل في صحيفة " أخبار العرب الكندية " مع الصديق صلاح علام وما زلت إلى يومنا هذا محررا لصفحة "  بانوراما ثقافية " وأخرجت مسرحية " روميو وجوليت " بمشاركة كل من محمد هاشم سامحه الله ،  وجمال سعد الرجل الهميم  وتشجيع لن أنساه من آمال   ميرغني رئيسة الجالية حينها .
                       
                  كان كمال أول من تعرفت عليه في تورنتو بمبادرة منه لن أنساها له كل عمري ، كان كمال فنانا بحق وحقيقة ، "  لكن نقول شنو دنيا ما دوامه "  ،   دعاني كمال ثانية للحديث عن المسرحية وعن المسرح وكان يستمع لي بأدب شديد وأسئلة في غاية الذكاء  مما دعاني أن أقول لكريمتي " أنه مثقف جيد " .
               لم تنقطع حواراتي معه حول المسرح والسينما وتلك اللقاءات التي كانت تتم في دار عمار عمر وبحضور الصديق عبدالله نقد وبعدها الصديق محمد عبدالوهاب عباس ، أذكر يوما وأنا بجانبه قلت له  يقولون  أنك ترفض الجواز الكندي وأن دخلك الشهري محترم مع تأجيرك للدور الأرضي ، ضحك ضحكته المعهودة وقال :
لا تسأل الناس عن مالي وكثرته    وأسأل القوم ما مجدي وما أخلاقي
             كرمته في حياته منظمة البجا في تورنتو كما كرمتني وكرمت آمال ميرغني ،  وعندما صعد كمال خشبة المسرح إنهمرت دموعي وتذكرت قول  أبي فراس الحمداني"  وأذ للت دمعا من خلائقه الكبر"  ،ثم كانت الدورة الرياضية بعد وفاته بكل عنفوانها وشموخها .
                      وتتويجا لكل ما ذكرته عن المسرح والسينما  تم في حياته  تأسيس نادي السينما بدار الجالية في مقرها الحالي في شارع دانفورث ، وكان التأسيس بدعوة ذكية جدا وشجاعة جدا من كمال شيبون كرئيس للجالية السودانية ، وكان داعما اساسيا لجميع العروض السينمائية التي قدمها النادي مثل : ماسة الدماء تقديم عدنان زاهر ، " عطر " تقديم الفاتح المبارك ،  " قائمة سلة المهملات "  تقديم  محمد أبوسنينة ، ثم خطاب  الملك من تقديمي .

                     عرف كمال " مرضي المستوطن " بالقراءة  ، ولو كانت إمرأة لتزوجتها، ولأنه صاحب مكتبة معتبرة للكتب فله يعود الفضل لمعرفتي بالروائي علاء الأسواني عندما مدني بكمية كبيرة من الكتب من مكتبته العامرة ومن بينها روايات الأسواني : عمارة
 يعقوبيان ، شيكاغو ونيران صديقة تقاسمتها مع صديقي الآخر الحارث الحاج  ، ولم أسأل  زوجته الصابرة علويه البكري منذ رحيله الفاجع سوى سؤال واحد  : كيف حال مكتبته ؟ وسعدت كثيرا بالرد :  " في الحفظ والصون " وقفلت الخط بعد إنهيار دموعها الغاليات لأنني أخطأت فنبشت ذكرياتها معه ومع الكتب  ، واقول لها من كل قلبي لن ننساه و لن ننساك يا علويه ولن ننسى شموخك  و روعتك وسماحتك  .



                 هذا الملاك القادم من كادوقلي ، منسلا من بين أهل كادوقلي ليدفن هنا في تورنتو ويحرم أهل كادوقلي من تشييعه ودفنه ، كم  هو مر مرارة الموت الدفن  بعيدا عن الأهل والصحاب  والوطن !!!
              وأنا الآن أقول نعم رحل كمال شيبون ، ولكنه ذلك الرحيل النبيل ولتحيا أبدا يا صديقي في العقل والقلب الحزين  خلودا لا تمحاه السنين .

.