السبت، 25 فبراير 2017

فن المسرح لا يفنى
بقلم : بدرالدين حسن علي
مسرحية " سبف العرب " للفنان الكويتي عبدالجسبن عبدالرضا كتب عنها الكثير من المقالات ختى ضجت مواقع التواصل الإجتماعي في الكويت والكثير من البلدان العربية بما يسمى بال"التخمة "
 المسرحية  تسخر مما تصفه الغزو العراقي للكويت عام 1990، والتي تكرر عرضها عدة مرات  وأصبحت توثيقا لمأساة الغزو



وما يزال  النقاش والجدل يحتدم بين المتابعين حول تفاصيل تلك الذكريات، حول المسرحية الكويتية، التي اشتهرت بمختلف الدول العربية، بعد خروج القوات العراقية.



ووجد عرض المسرحية  المرة، اهتماماً مفاجئاً من قبل الكويتيين، إذ أنشأوا رسماً خاصاً على موقع “تويتر” حمل عنوان
 المسرحية "سيف العرب” ليجد طريقه إلى قائمة أكثر الموضوعات المتداولة في الكويت على “تويتر".



بعض الكويتيين سخر بشكل كبير من استمرار عرضها، كل هذه السنوات، لتصبح تقليداً ، ووصفوه بالممل وغرد بعضهم: “إذا ما انعرض كل عيد" سيف العرب" ما اسمه عيد.



وكتب فهد بن سعود مغرداً: “والله ماأ عرف شي  خوف اهل الكويت الا بعد رحيل صدام ، نعم صدام اخطا ولاكن خطأه ردة فعلو الغبية.   عيسى الظفيري كان له رأي آخر حين قال: “سيف العرب كان يلقّب بهذا اللقب … لكن انتزع منه قبل ٢6 سنة عندما  غدر العرب

الجدير بالذكر أن تاريخ 2 أغسطس 1990، شهد دخول القوات العراقية إلى الكويت لحوالي 7 أشهر، بعد حرب الخليج الأولى، لكن حرب الخليج الثانية أدت لانسحاب قوات صدام حسين وانسحابها بعد هجوم من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
المهم المسرح فن توثيقي خاصة عندما يعرف مقدموه كبف يقدمونه ، مسرحية أوديب ملكا للشاعر الكاتب المسرحي الإغريقي سوفوكوليس على الرغم من مضي آلاف السنين على كتابتها ما زالت فنا مسرحيا توثيقيا  رائعا !

بس يا      سرطان   في الداخل والخارج
بقلم : بدرالدين حسن علي
badrali861@gmail.com
على الرغم من أن كندا بلد متطور طبيا ، لكن يلاحظ في الآونة الأخيرة أن معظم موتانا بسبب مرض السرطان ، وقد إزداد عدد مرضانا بشكل مخيف ، حتى المقابر خافت منهم، ونفس  الحال مع مستشفيات السودان ومقابره ، لا أدري إن كنت مخطئا أم مصيبا ، عمل الجالية يبرز في رعاية المرضى والمسنين والمعوقين ، وفي هذا ما أراه وأسمعه مخيف ، وقطعا هي مسؤولية جميع الجاليات في كندا ، ولا تستطيع أن تتحملها جالية تورنتو
 لوحدها ،  كما أنها لا تخص سكان تورنتو وحدهم .
الأرقام المخيفة عن الإصابة بالسرطان تستوجب من الجميع أن يقفوا عندها،اء بل إن هذا المرض المميت يجب أن يكون قضية جميع الجاليات السودانية  في كندا
في بلدي كشفت الإحصائيات كما تقول التقاريرأنها   تراوحت ما بين 12-25 ألف حالة سنوياً، وهي لا تعبر عن الانتشار الحقيقي للمرض،بل تشمل من ترددوا فقط على مراكز الأورام في مدني والخرطوم.


زقد  أظهرت الإحصاءات الجديدة ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السرطان في السودان، في الوقت الذي يشكو فيه القطاع الطبي من شح الإمكانات في مواجهة هذا المرض الفتاك. وحسب هذه الإحصاءات، فإنه يجري تسجيل 12 ألف إصابة بالمرض كل عام، ويشكل الأطفال 8 في المئة من مرضى السرطان، كما أن 50 في المئة   من المرضى المصابين بسرطان الدم يحتاجون علاجا فوريا. وتبدو الأرقام مفزعة على النحو الجغرافي، إذ نصف الإصابات بالسرطان تتركز في ولاية الجزيرة، وتصل في الخرطوم إلى نحو 12 في المئة، وفي القضارف إلى نحو 10 في المئة، من معدل الإصابة بأمراض مختلفة. وعزا خبراء الارتفاع في الإصابات بسبب عدم توفر أساليب التشخيص الصحيحة والحديثة في السابق وتأخر اكتشاف المرض، إضافة إلى الفقر وقلة الوعي الصحي. وتمثل هذه الأرقام تحديا كبيرا في المؤسسات الصحية، خاصة مع تعطل أجهزة العلاج في المراكز المتخصصة، إذ هناك سبعة مراكز للعلاج الكيميائي، ومركزين فقط للأشعة. كما أن قلة اختصاص الأطباء زاد في تأخير التشخيص والعلاج للمرضى.


إن رئيس جاليتنا الأسبق كمال شيبون - رحمه الله -غادرنا بمرض السرطان وزوجته علوية البكري غادرتنا بمرض السرطان وعدد كبير من المرضىيلازمون المستشفيات بمرض السرطان  ، بالطبع كل شيء بإذن  الله
ولكن لتتحد الجهود من أجل المساهمة في رعاية مرضانا في الداخل والخارج

الخميس، 16 فبراير 2017


               ذكرياتي في المسرح
بقلم : بدرالدين حسن علي
                          من أجمل ذكرياتي في المسرح السنوات القليلة التي قضيتها أستاذا في معهد الموسيقى والمسرح ، كنت أصلا طالبا فيه " الدفعة الثانية " ومن
 زملائي :الطيب المهدي ، عزالدين هلالي ، نعمات عبدالرحيم صبحي ، ابراهيم أحمد بخيت ، عمر الطيب الدوس ، ، سيد احمد الطاهر ، عبدالعظيم كباشي وعبدالحفيظ احمد ،
وبعد أن أنهيت دراستي بالمعهد تم تعييني مدرسا وترشيحي لمنحة دراسية في جمهورية المانيا الديمقراطية سابقا ، وفي عام 1975 تم فصلي من المعهد وعدم قبول تغاوني مع المسرح القومي والإذاعة والتلفزيون والصحافة ،
كنت في ذلك الوقت أقوم بإخراج مسرحية " حكابة تحت الشمس السخنة" لمؤلفها صلاح حسن أخمد ،   كان ذلك في عهد جعفر نميري بحطاب بتوقيع بونا ملوال وكان وزير دولة بالإعلام ، وكان المعهد أيامها تابعا لوزارة الإعلام ، وكان الكاتب المسرحي حمدنالله عبدالقادر منتدبا من الوزارة عميدا للمعهد .
كنت أقوم بتدريس مادة نظريات التمثيل للصف الأول ومادة تاريخ المسرح للصف الرابع ، وفي مادة نظريات التمثيل كان كثيرا ما أرجع لكتاب " إعداد الممثل ، لمؤلفه قسطنطين ستانسلافسكي
 كتاب إعداد الممثل من الكتب التي أعتز بها كثيرا ،قرأته بنسخته العربية إصدار دار المعارف

 وأذكر جيدا أن هذا الكتاب قد غيٌر بالفعل العديد والعديد من المفاهيم الخاطئة و فسر لى بعضا من المفاهيم التى توصلت لها بالفطرة دون معرفة تفسير لها أو مُسبب
وإلى اليوم وبعد مضي أربعين عاما ما زال كتابي المفضل في فن المسرح .



لكي يتم نضج طالب التمثيل ويصل إلى المستوى الفني الرفيع لابد من التزود بالثقافة النظرية بالإضافة إلى التطبيقات العملية.
فكثيرا ما يحدث على المسرح أن يطابق الدور للممثل الذي يؤديه ولكن ذلك الأداء يظل أقل من المطلوب ، وإذا بحثنا عن السبب سيتضح لنا أن الممثل ليس في حالة تسمح له بالارتفاع إلى المستوى الفكري الذي تتطلبه المسرحية والشخصية التي يجسدها، وعلى الممثل الذي يريد أن يبدع شخصية تحمل مضمونا فكريا عميقا أن يكون على المستوى الفكري لتلك الشخصية.
فالممثل الذي لا يبالي بالمواد النظرية من فلسفة وعلم جمال وعلم نفس وثقافة فنية واجتماعية وسياسية فإنه في الحقيقة يحد من إمكانياته الإبداعية.
وعلى الممثل المسرحي أن يكون نموذجا يحتذى، ومعلما للجمهور لأن المنصة التي يقف عليها هي مدرسة للجمهور.
ولابد للممثل أن يكون على اطلاع واسع على المذاهب والمدارس المسرحية، لذا فإن المواد النظرية ستساعده وتمده بذخيرة وافية ولكن في سير عملية الإعداد الفني لابد من منهج واضح يطبقه ليصل به إلى مرحلة النضوج.
ويعتبر منهج ستانسلافسكي من انجح المناهج في إعداد الممثل لأنه يعتمد على وحدة الفعل النفسي والجسدي وعلى الكشف عن الهدف الأعلى للعرض المسرحي.
في مرة من المرات طلبت من طلاي المعهد أن يصيغو مسرحية من قصة " موت موظف " للكاتب المسرحي
الكبير " أنطون تشيخوف " ، كانت تجربة ممتغة ورائعة تفاعل معها الطلاب بإبداع وكشفت عن إمكانياتهم التمثيلية
 لقد ظهر الكثير من المناهج التي حاولت أن تعطي صيغة جديدة إلا أنها لم تخرج عن نطاق منهج ستانسلافسكي. ومنهج ستانسلافسكي يتضمن البنود التالية:
1ـ الفعل المسرحي.
2ـ الخيال.
3ـ تركيز الانتباه.
4ـ الاسترخاء.
5ـ الوحدات والأهداف.
6ـ الإيمان والإحساس بالصدق.
7ـ الذاكرة الانفعالية.
8ـ الاتصال الوجداني بين الممثلين.
9ـ التكيف.
10ـ القوى المحركة الداخلية.
11ـ خط الفعل المتصل.
12ـ حالة الإبداع.
13ـ الهدف الأعلى.
14ـ العقل الباطن.
هناك مقولة شهيرة لإستانسلافسكي : من اليسير أ ن تمثل ولكن من العسير جدا أن تمثل ، ولكي نفهم معنى هذا سأشرح بعض ما ورد في الكتاب
1ـ الفعل المسرحي:
إن كل شيء يحدث على خشبة المسرح لابد أن يحدث لغرض ما، حتى احتفاظ الممثل بمقعده لابد أن يكون لغرض. ولغرض معين، وليس لمجرد الغرض العام من وجوب أن يكون على مرأى من المشاهدين.. إن الممثل يجب أن يدرك سبب وقوفه أو حقه في أن يقف فوق المنصة وليس هذا بالأمر السهل.
لا يمكن أن يحدث على خشبة المسرح وتحت أي ظرف من الظروف أي فعل يقصد به الممثل أن يثير في الحال إحساساً ما وليس من أجل هدف معين.
فعلى الممثل أن يتجنب أن يبدو غيورا ومحبا أو معذبا من أجل هذه المشاعر ومن أجلها فحسب.
إن أي فعل لا يستند إلى إحساس داخلي هو فعل لا يستدعي الانتباه، وإن أي فعل على خشبة المسرح لابد له ما يبرره تبريرا داخليا ولابد أن يكون فعلا منطقيا ومتصلا ببعضه اتصالا معقولا وواقعيا.
وإن استعمال كلمة (إذا) أو (لو) تعمل كرافعة تخرج بنا من العالم الواقعي إلى عالم الخيال. إنها كلمة سحرية تشحن المشاعر والخيال والسر فيها أنها لا تفرض بل تقترح.
فمثلا إذا وضعنا قلما في يد الممثل وقلنا له إن هذا ليس قلما؛ بل ثعبانا فإنه لن يصدق أما إذا قلنا له : إنه (لو) كان   في يدك ثعبان ماذا ستفعل؟ سنرى في الحال أنه سيسحب يده خوفا.
2ـ الخيال:
يجب على الممثل ألا يتخيل الأشياء دون أن يكون له هدف وراء هذا التخيل، ومن أهم الأخطاء التي يمكن أن يقع بها الممثل هو أن يجبر خياله ويكرهه بدلا من أن يروضه ويلاطفه.
إن كل اختراع يقوم به خيال الممثل يجب أن يسبقه تفكير طويل في تفاصيله وأن يبني على أساس من الحقائق، بحيث يستطيع الممثل أن يجد فيه الإجابة على الأسئلة التي يوجهها إلى نفسه (متى وأين ولماذا وكيف) لكي يضع صورة أكثر تجديدا لكيان متوهم. وهو في بعض الأحيان لا يحتاج إلى كل هذا المجهود من المجهودات الذهنية الشعورية لأن خياله قد يعمل بالنظرة وبالبديهة، ولكن هذا لا يمكن الاعتماد عليه لأن التخيل بصورة إجمالية ومن غير أن يقوم على مشروع محدد تحديدا جيدا ويفكر فيه الممثل تفكيرا طويلا هو عمل عقيم!
هذا من جهة ومن جهة أخرى، إن أي تناول صادر عن وعي وتفكير منطقي لموضوع الخيال كثيرا ما يعطي للحياة صورة زائفة لا حرارة فيها.
وهذا شيء لا ينفعنا في المسرح لأن فننا يتطلب من الممثل أن يندمج بكل طبيعته اندماجا إيجابيا فيما يقوم به وأن يكرس نفسه كلها جسدا وروحا للدور الذي يؤديه لأنه لابد ان يحس بالدافع أو المادة ليستطيع بطريقة انعكاسية أن يؤثر في طبيعتنا الجسدية ويدفعها إلى العمل.
وهذه الملكة ذات أهمية عظمى في مهارتنا الفنية العاطفية ، من أجل هذا كانت كل حركة نقوم بها على خشبة المسرح وكل كلمة ينطق بها هي نتيجة للحياة الصحيحة لخيالنا.
وإذا كان الممثل يلقي أي كلام أو يفعل أي شيء بطريقة آلية وبغير أن يكون واعيا وعيا كاملا بمن يكون ومن أين أتى ولماذا وأي شيء يريد؟ وإلى أين يذهب وأي شيء يصنع إذا ذهب كان يمثل بدون أن يصدر عن أي خيال، وكان الوقت الذي يستغرقه على المسرح طال أو قصر وقتا غير واقعي. ولم يزد عن كونه آلة تتحرك وإنسانا آليا وإذا سئل هذا السؤال المتناهي في البساطة: هل الجو بارد في الخارج اليوم؟
فينبغي قبل أن يجيب (بنعم) أو (لا) أو إنني لم ألاحظ؛ أن يعود بخياله إلى الشارع ويتذكر كيف مشي أو ركب.. إلخ.
إنه لابد أن يختبر إحساسه بأن يتذكر ماذا كان الناس الذين قابلهم يلبسون والطريقة التي كانوا يمشون بها، وكيف كان الجليد ينسحق تحت أقدامهم، وبعد ذلك يستطيع أن يجيب على السؤال.
أذكر في إمتحان القبول لمعهد الموسيقى والمسرح طرح علي أحد أعضاء اللجنة سؤالا : كم عدد " الزرار " في قميصك ؟ لم أكن أعرف ، ولكني إستخدمت خيالي وقلت سبعة ، وكانت إجابة
صحيحة ،فسألني كيف عرفت ؟ قلت له إنه ستانسلافسكي فضحكنا جميعا !!!!!
3ـ تركيز الانتباه:
إننا في الحياة العادية نمشي ونجلس ونتكلم وننظر ولكننا على خشبة المسرح نفقد كل هذه الملكات.. إننا نشعر باقتراب الجمهور منا ونتساءل:
لماذا ينظر هؤلاء إلينا؟ ومن ثم يجب أن نتعلم من جديد كيف نقوم بكل هذه الأشياء أمام الجمهور.
إن جميع الأفعال التي نقوم بها وحتى أبسطها، وهي الأفعال المألوفة لنا غاية الألفة في حياتنا اليومية تغدو عسيرة عندما تظهر خلف الأضواء وأمام جمهور مكون من ألف مشاهد. وهذا هو السبب الذي كان من أجله ضروريا لنا أن نصحح أنفسنا، وأن نتعلم من جديد كيف نمشي وكيف نتحرك وكيف نجلس ونرقد.
إن اللسان الثرثار أو الأيدي والأرجل التي تتحرك بطريقة آلية على خشبة المسرح لا يمكن أن تحل محل العين المدركة.. إن عين الممثل التي تنظر إلى الشيء وتراه وتجذب انتباه المشاهدين وتستطيع بذلك أن تكون علامة تحدد له ما ينبغي أن ينظر إليه. أما العين الفارغة فعلى العكس من ذلك تشتت انتباه المشاهد وتصرفه عن خشبة المسرح.
إن الممثل على خشبة المسرح إما أن يعيش داخل نفسه أو خارجها، إنه يعيش حياة واقعية أو حياة متخيلة. وهذه الحياة المعنوية تقدم موردا لا ينضب من مادة التركيز الداخلي لانتباهنا. والصعوبة في استخدام هذه المادة إنما تنحصر في أنها مادة هشة غير متماسكة. إن الأشياء المادية التي تحيط بنا على خشبة المسرح تحتاج إلى انتباه مدرب. أما الأشياء المتخيلة فهي تتطلب قوة من التركيز أكثر تنظيما مما تتطلبه الأشياء المادية.
إن للتركيز الداخلي أهمية خاصة بالقياس إلى الممثل وذلك لأن جزءا كبيرا من حياته يقع في نطاق ظروف متخيلة.
ولتدريب التركيز يمكن للمثل إن يقوم بهذا التمرين مساء
(عندما يذهب إلى السرير ويطفئ نور الحجرة يحاول أن يستعيد ما حدث في يومه كله ويحاول أن يسجل كل جزئية ملموسة وممكنة ، فإذا كان يستعيد تذكر وجبة غداء فهو يكتفي باستذكار الطعام فحسب، ولكن ينبعي أن  يستعيد رؤية الأطباق التي قدمت إليه، وكيف كان ترتيبها العام، ويستعيد كل الأفكار والانفعالات الداخلية التي تضمنتها أحاديثه على المائدة، ويجتهد في أن يعاين بالتفصيل الأماكن المختلفة التي مشي فيها أو شرب فيها شايا، ثم ليتخيل جميع الأشياء الفردية المتصلة بألوان نشاطه ويحاول أيضا أن يتذكر بقدر ما يستطيع من وضوح أصدقائه والغرباء عنه وغيرهم ممن مروا به..إلخ)
كيف يتعلم غير القادرين على الملاحظة إلقاء البال إلى ما حولهم؟
إن أول شيء بالنسبة لهؤلاء هو أن يتعلموا النظر إلى الأشياء والإصغاء إليها والاستماع إلى ما هو جميل. فأمثال هذه العادات تتسامى بعقولهم وتثير مشاعرهم التي سوف تترك آثارا عميقة في ذاكرتهم الانفعالية.
إن الحياة ليس فيها ما هو أجمل من الطبيعة، ومن المجدي حقا أن تكون الطبيعة موضوع الملاحظة الدائمة. فإذا أخذنا زهرة صغيرة أو وريقة من وريقاتها أو رسما تركه الجليد على زجاج النافذة، ثم حاولنا أن نعبر في كلمات عن الأسباب التي من اجلها تبعث هذه الأشياء السرور في النفس، رأينا أن مثل هذا المجهود سوف يجعلنا نلاحظ الشيء الذي نراه عن كثب وبإمعان أشد لكي نتمكن من تذوقه وتحديد صفاته.
ثم علينا الانتقال إلى المادة الانفعالية التي هي أكثر الأشياء أهمية وأشدها ضرورة وأوفرها حياة والتي يقوم عليها معظم إبداعنا الفني وهي تلك الانطباعات التي نحصل عليها، لأنها في معظمها تكون مختلطة وغير محددة ولا يمكن إدراكها إدراكا باطنيا ولا شك أن كثيرا من تجاربنا الروحية غير المرئية تنعكس في ملامح وجوهنا وفي أعيننا وفي صوتنا وكلامنا وإشاراتنا. ولكن ليس من السهل علينا على الرغم من كونها كذلك أن ندرك أعماق غيرنا. وذلك لأن الناس في كثير من الأحيان لا يفتحون أبواب نفوسهم، ولا يسمحون لغيرهم بأن يروها على حقيقتها.
وعندما تتضح لنا الحياة الداخلية للشخص الذي هو موضوع ملاحظاتنا عن طريق أفعاله وأفكاره ودوافعه علينا أن نتتبع أفعاله عن كثب، وأن ندرس الظروف التي يجد نفسه فيها ولنسأل أنفسنا لماذا يفعل هذا وذاك، وماذا كان يتردد في نفسه؟
4ـ استرخاء العضلات:
لكي نثبت مدى ما يصيب التوتر العضلي إبداعنا بالشلل وبأنه مرتبط بحياتنا الداخلية، نقوم بالتجربة التالية: لنحاول أن نرفع ثقلا ما وليكن وزنه أقصى ما تحتمله طاقتنا وبنفس الوقت لنحاول أن نصف مشهدا معينا أو أن نغني أغنينة ما، لنحاول أن نتذكر طعم أكلة معينة أو لمس نسيج من الحرير أو رائحة شيء يحترق.
إننا سنرى أن لكي نستطيع تطبيق كل ذلك لابد أن ندع ذلك الثقل وبعد ذلك يمكننا أن نكرس أنفسنا لعمل حواسنا الخمس.
لذلك علينا قبل أن نحاول القيام بعملية الإبداع أن نجعل عضلاتنا في حالتها الطبيعية حتى لا تعوق أفعالنا.
وليس التشنج العضلي العام وحده هو الذي يعرقل أداءنا لوظيفتنا أداء سليما؛ بل إن أي ضغط طفيف في لحظة ما قد يعطل عمل ملكة الإبداع.
إن الممثلين يضغطون على أعصابهم عادة في لحظات التهييج والاستثارة، لذلك كان ضروريا في اللحظات ذات الأهمية الكبيرة بصفة خاصة أن يحرروا عضلاتهم من التوتر تحريرا تاما.
5ـ الوحدات والأهداف:
سئل ربان سفينة كيف يتأتى له أن يتذكر ـ خلال رحلة طويلة ـ جميع التفاصيل الدقيقة لساحل من السواحل بمنحنياته وأجزائه القليلة الغور وشعبه الصخرية فأجاب قائلا ليس ألقي لها بالا؛ وإنما أنا التزم خطة سير معين لا أحيد عنه.
وهذا هو المسلك الذي يجب أن يسلكه الممثل إذ يجب أن يتقدم في طريقه غير حافل بالتفاصيل العديدة وإنما يكون احتفاله بتلك الوحدات الهامة التي تعيق خط سيره وكأنها الإشارات. وتجعله لا يحيد عن الاتجاه الإبداعي الصحيح.
ولو تعين علينا أن نمثل مشهد العودة إلى البيت على المسرح لوجب علينا أن نسأل السؤال التالي: أولا ما الذي أفعل؟ فيكون الجواب: (أنا ذاهب إلى بيتي) وهو المفتاح الذي يدلنا على هدفنا الرئيسي. على أن الممثل في طريقه قد توقف عددا من المرات، فقد توقف بلا حراك عند نقطة معينة وفعل شيئا آخر. ولذلك فإن النظر إلى واجهة المحل، يعتبر وحدة قائمة بذاتها، وعندما يواصل المسير إلى البيت يعود إلى الوحدة الأولى.
وأخيرا يصل إلى حجرته ويخلع ملابسه، فيكون ذلك العمل وحدة ثالثة، وعندما يستلقي في الفراش ويبدأ التفكير يكون ذلك وحدة رابعة، وبذلك نكون قد أنقصنا بمجموع وحداتنا إلى أربع وحدات، وهذه الوحدات تحدد لنا خط السير.
وهذه الوحدات الأربع هي التي يتألف منها هذا الهدف الواحد الكبير وهو العودة إلى البيت).
ولكن لنتذكر دائما أن التقسيم إجراء مؤقت إذ يجب ألا يبقى الدور والمسرحية مقسمين إلى أجزاء متناثرة. ونحن نعلم أن التمثال المحطم ـ مثله في ذلك كمثل اللوحة الممزقة ـ ليس عملا فنيا مهما بلغت أجزاؤه من الجمال.
إننا لا نستخدم الوحدات الصغيرة إلا في مرحلة إعداد الدور.
إن الهدف هو الذي يمنح الممثل الإيمان بحقه في الصعود إلى خشبة المسرح والبقاء عليها.
إننا نجد مالا نهاية له من الأهداف على خشبة المسرح ولكن ليست كلها أهداف ضرورية أو وحيدة، بل إن الكثير منها ضار في الواقع ويجب على الممثل أن يتعلم كيف يميز بين الغث والثمين منها، وكيف يتجنب الأهداف غير المجدية، وكيف يختار الأهداف الصحيحة حقا.
6ـ الإيمان والإحساس بالصدق:
لكي يتمن الممثل من بلوغ الصدق يجب عليه أن يستخدم أداة ترفعه إلى مستوى الحياة التخيلية وهناك يخلق لنفسه ظروفا متخيلة، إن تخيل ظروف معينة ملائمة يعينه على الخلق والإبداع.
إن الصدق على خشبة المسرح هو كل ما يمكن أن نؤمن به إيمانا حقيقيا من أفعال أو أقوال تصدر منا أو من زملائنا. إن الصدق والإيمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، إذ لا يمكن أن يوجد أحدهما دون وجود الثاني.
إن كل ما يحدث على المسرح يجب أن يكون مقنعا للمثل نفسه ولزملائه وللجمهور. يجب أن يولد الإيمان بأن كل ما يعانيه الممثل على المنصة من انفعالات ومشاعر يمكن أن يتحقق نظيره في الحياة الواقعية، ويجب أن تكون كل لحظة مشبعة بالإيمان والصدق والعاطفة التي يستشعرها الممثل وصدق ما يصدر عنه من أفعال.
7ـ الذاكرة الانفعالية:
الذاكرة الانفعالية هي قدرة الممثل على استعادة شعور انفعالي لموقف معين والفرق كبير بين أن يعيش الإنسان الشعور الانفعالي لأول مرة وبين أن يستعيد ذلك الشعور، ففي المرة الأولى يكون الشعور حارا وصادقا، أما عندما يستعيده فيكون خفيفا وذلك لأن الانفعال تخف حدته مع مرور الزمن وهذا حسن وإلا ظل من يعاني من عذاب فراق شخص معذبا طوال حياته وهكذا.
لذا فالممثل عندما يستعيد ذاكرته الانفعالية يجب أن يبعث فيها تلك الحرارة التي اتصف بها شعوره لأول مرة.
8ـ الاتصال الوجداني:
هل يمكننا أن نتصور عقدا ثمينا توحيد بين كل ثلاث حبات من حباته الذهبية حبة من الصفيح ينتظمها جميعا خيط واحد؟
من الذي يمكن أن تتوق نفسه إلى اقتناء مثل هذا العقد، ومن ذا الذي يمكن أن يقبل خط اتصال ينفصم انفصاما قد يشوه التمثيل أو يقضي عليه قضاء تاما؟
إن الاتصال بين الناس إن كان مهما في واقع الحياة فهو على خشبة المسرح أهم بمراحل.
وهذه الحقيقية مستمدة من طبيعة المسرح، تلك الطبيعة القائمة على الاتصال المتبادل بين شخصيات المسرحية.
إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور مؤلفا مسرحيا يقدم أبطاله وهم في حالة غيبوبة أو في حالة نعاس، فحينها تكون حياتهم النفسية غير قائمة بما هو مطلوب منها. كما لا يمكن أن نتصور أن يجمع ذلك المؤلف بين على المنصة بين شخصين لا يعرف احدهما الآخر فحسب، بل يرفضان التعارف وتبادل الأفكار والمشاعر أو يخفي كل منهما هذه الأفكار والمشاعر عن الآخر بأن يجلس كل منهما في طرف من طرفي المنصة.
وفي هذه الظروف لا يعود ثمة مبرر لدخول المتفرج إلى المسرح ما دام أن لن يجد في المسرح ما جاء من اجله، أي إحساسه بمشاعر الأشخاص المشتركين في المسرحية واكتشافه لأفكارهم.
وهناك أنماط ثلاثة من الاتصال هي:
1ـ الاتصال الوجداني المباشر بالشخص موضوع الحديث (أي بالزميل) الموجود على المنصة والاتصال غير المباشر بالجمهور.
2ـ اتصال الممثل بنفسه اتصالا وجدانيا.
3ـ الاتصال الوجداني بشخص غائب أو بشخص من صنع الخيال.
9ـ التكيف:
يقصد بكلمة التكيف تلك الوسائل الإنسانية الداخلية والخارجية التي يستخدمها الناس للتوفيق بين أنفسهم وبين الآخرين لإقامة علاقات شتى بينهم وبين غيرهم، كما يستخدمونها كعامل مساعد لتحقيق هدف معين.
وإننا نلجأ إلى وسائل التكيف في جميع صور الاتصال، حتى مع أنفسنا لأننا يجب أن ندخل في حسابنا الحالة النفسية التي نكون عليها في أية لحظة معينة.
إن كل ممثل له خصائصه الذاتية التي يتسم بها، وهي خصائص أصيله فيه، وتنبثق من منابع مختلفة، وتتفاوت في قيمتها. إن الرجال والنساء والشيوخ والأطفال والمختالين والمتواضعين وذوي الطبع الحاد وذوي القلوب الرحيمة وذوي الأمزجة العصبية وذوي الأمزجة الهادئة، كل من هؤلاء له نموذجه الخاص؛ وكل تغير في الظروف والبيئة ومكان الفعل وزمانه يؤدي إلى التكيف المناسب.
إن توفيقنا بين نفوسنا وظروفنا ونحن وحيدون في هدأة الليل يختلف عنه ونحن بين الناس، وعندما نصل إلى بلد أجنبي فإننا نهتدي إلى طرق تكيف نفوسنا بما يلائم الظروف المحيطة بنا.
وكل شعور يعبر عنه الممثل يقتضي في أثناء التعبير عنه، شكلا غير محسوس من أشكال التكيف خاصا بذلك الشعور وحده.
وكل أنواع الاتصال الذي يتم في جماعة من الناس مثلا، أو الاتصال بشيء خيالي أو بشيء حاضر أو غائب، كل هذه الاتصالات تتطلب طرقا للتكيف خاصة بكل منها ونحن نستخدم حواسنا الخمس جميعا وكل عناصر تكويننا الداخلي والخارجي للاتصال فنحن نرسل أشعة ونستقبلها ونستخدم أعيننا وتعبيرات وجوهنا وأصواتنا ونبراتها وأيدينا وأصابعنا وأجسامنا كلها وفي كل حالة نحقق أشكال التكيف المناسبة التي تقتضيها الظروف.
يجب أن يتعلم الممثل كيف يوفق بين نفسه وبين الظروف والزمن، وبين نفسه وبين كل فرد على حده وإذا دعت الحاجة إلى التعامل مع شخص غبي يجب أن نكيف سلوكنا بما يلائم عقليته وان نكشف أبسط الوسائل للوصول إلى ذهنه وإدراكه أما أذا كان الرجل الذي أمامنا حاد الذكاء فينبغي أن نتصرف بقسط اكبر من الحذر ونستخدم وسائل أكثر لطفا .
لقد قرأ بتولد بريخت كل هذا واستوعبه ثم كانت نظريته في المسرح الملحمي ، وقد طالعت دراسة جادة نشرت في صحيفة " دنيا الوطن " للكاتب المعروف نادر طاهر يقول فيها :

نبذة عن بروتولد بريشت
ولد برتولت بريشت في 10 فبراير 1898 في مدينة أوجسبورج. درس الطب في ميونخ, وهناك تعرف على لودفيج فويشتنفانجر, وعمل في مسرح كارل فالنتين. وفي عام 1922 حصل بريشت على جائزة كلايست عن أول أعماله المسرحية. وفي عام 1924ذهب إلى برلين, حيث مخرجا مسرحيا. وهناك اخرج العديد من مسرحياته.وتزوج عام 1929 من الممثلة هلينا فايجل Helene Weigel
وفي عام 1933 بعد استيلاء هتلر على السطة في ألمانيا, هرب إلى الدانمارك. ثم هرب عام 1941 من الدانمارك من القوات الألمانية التي كانت تتوغل في أوروبا, وتحتل كل يوم بلدا جديدا, فهرب إلى سانتا مونيكا في كاليفورنيا, وهناك قابل العديد من المهاجرين الألمان الذين فروا من الدولة الهتلرية, التي بدأت تمارس القهر والاغتيالات ضد المعارضين, وتفرض اضطهادا لا حدود له ضد اليهود, وتحرق كتب الأدباء التي لا ترضى عنهم. والتي كانت كتب بريشت من الكتب التي أحرقت.
وهناك في أمريكا لم يكن بريشت راضيا عن الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية في أمريكا. وفي عام 1947 حوكم برتولت بريشت في واشنطن, بسبب قيامه بتصرفات غير أمريكية
وفي عام 1948 عاد إلى الوطن ألمانيا, ولكن لم يسمح له بدخول ألمانيا الغربية, فذهب إلى ألمانيا الشرقية, حيث تولى هناك في برلين الشرقية إدارة المسرح الألماني. ثم أسس في عام 1949 "مسرح برلينر إنسامبل" (فرقة برلين). وتولى عام 1953 رئاسة نادي القلم الألماني. وحصل عام 1954 على جائزة ستالين للسلام. وقد أثر مسرح "برلينر إنسامبل" على المسرح الألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, وظل بريشت يعمل في هذا المسرح حتى وفاته في عام 1956.
كتب بريشت أولى أعماله المسرحية وهي"بعل" Baal وكان متأثرا فيها بفترة التعبيرية. أما في مسرحية "أوبرا الثلاثة قروش" 1928 التي حققت له نجنحا عالميا, فقد كانت تصور بطريقة عفوية مبدأ: "في البداية الطعام, ثم الأخلاق". وكان بريشت من أهم كتاب المسرح في ألمانيا قبل عام 1933. ولكن بعد استيلاء هتلر على الحكم، واضطهاده اليهود, وإحراقه كتب الأدباء الذين لا ينتهجون نهجا نازيا, هرب من ألمانيا إلى الدانمارك, وعاش فيها في الفترة بين عامي 1933 و 1939. ثم هرب إلى أمريكا حيث اجتاحت القوات النازية الدانمارك. وكتب في أمريكا أهم أعماله, منها نظريته عن المسرح الملحمي, التي نشرها بريشت عام 1948, بعنوان الأرجانون الصغير للمسرح.
لماذا سمى بريشت المسرح الملحمي بهذا الاسم :
سمى بريشت المسرح الملحمي بهذا الاسم نسبة الى الملحمة لانه يعتمد على السرد والقص في تقديمه للمسرحية حيث كان يخرج على خشبة المسرح شخص يسمى الراوي ويقوم برواية اغلب أحداث المسرحية على الجمهور اللذين يستمعون إليه .

لماذا اتجه بريخت إلى المسرح الملحمي ؟
كان المسرح في الربع الأول من القرن العشرين متركزا في أيدي الطبقة البرجوازية المسيطرة والتي لم يكن لها هدف من المسرح سوى التسلية ووضعها في خدمتها حيث كانت تستغل المسرح للحفاظ على سيطرتها مستخدمة جميع الوسائل لسد أبواب المسارح في وجه الطبقة العاملة .
لقد أصيب المسرح آن ذاك بكوارث كبيرة من أهمها التسطح الشكلي وخلوه من المضمون وقد كان الإخراج الذي استخدمه ماكس راينهارد خير دليل على هذا التسطح وذلك الخلو .
رأى بريخت انه لا يمكن منح المسرح وظيفة غير وظيفته تلك إلا من خلال إسقاط السلطة البرجوازية ولكن إسقاطها يحتاج إلى وعي سياسي واجتماعي وثوري , والمعروف أن المسرح يلعب دورا في تحقيق هذا الوعي لذلك اتجه برخت نحو مسرحي التعليمي والذي وجد صعوبة في نشره في البداية بسب منع البرجوازية له وذلك في مسرحية (الإجراء) عام 1930 .

نظرية المسرح الملحمي عند بريخت
رفض بريخت المسرح الأرسطي الذي يعتمد على التطهير وهو ان يندمج المشاهد كليا في العمل المسرحي والتالي تثار لديه عاطفتي الخوف والشفقة ومن ثم التطهير منها ,أما بريخت فقد رفض هذا المفهوم رفضا قاطعا واعتبر ان المسرحي الأرسطي ما هو الا تنويم مغناطيسي يعمل على اذهاب عقل المشاهد وحصره داخل أحداث العمل المسرحي من دون أن يكون لعقله أي دور في مناقشة الاحداث وتحليلها , اما المسرح الملحمي عند بريخت فيعتمد اعتمادا كليا على عقل المشاهد من خلال توعيته بكل ما يحدث وبالتالي مناقشة مشاكله وتغيرها بهدف إيجاد الحياة الأفضل للناس . ولقد وجد بريخت في سنواته الأخيرة أن مفهوم المسرح الملحمي مفهوم ضيق ولذا أستبدل بة مصطلح (المسرح الديالكتيكى). والذي يعنى أن يرى الجمهور شيئا مختلفا تماما عما يعرض أو يقال ويعنى هذا ......... انا أعرف شيئا أعرضه هكذا لكى يفهم المتفرج أنه قادر على تغييره ، اى يوجد جانب أخر غير ظاهر وغير ما يعرض، ولكن الجمهور يدركه. اكد بريشت على هذا إذ قال إنه على الجمهور أن يعى الديالكتيك لكى يتفهم طبيعة ما يحدث على المسرح ،اى لكى يعى المفارقة التى تحدثت عنها ، وهى إمكانية توصيل طبيعة التناقضات على خشبة المسرح إلى المتفرج وإظهار إمكانية التغير مما هو عليه إلى ما يمكن أن يكون عليه. ويعنى ذلك أذن مفهوم الديالكتيك ، ليس من جانب الجمهور ولكن من جانب الدرامى في المسرحية

كل ما قدمه بريخت لتطبيق مفهوم المسرح الملحمي

1-الاعتماد على السرد والقص في تقديم المسرحية :
كان القاص يجلس على خشبة المسرح ويقوم بسرد اغلب احداث المسرحية في حين ان المشاهد ياكل ويشرب ويلهو ويظل عقله نشطا متتبعا لاحداث المسرحية وفي اوقات قيام الممثلين بادوارهم يدخل المغني ويختصر المشهد او يعلق عليه بدلا من عرضه وذلك عندما يقترب المشاهد من الاندماج واثارة عاطفته ومن امثلة ذلك قول المغني في مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية ) :
حينما بلغت جاروشتا فشانا داس النهر سرا
ثقل عليها الهروب وبدا الطفل المسكين ثقيلا
في حقول الاذرة يصبح الصباح الوردي نفسه باردا
لمن لم يتذوق طعم النوم والتصادم المرح لجردال اللبن
في المزرعة التي يتصاعد منها الدخان يرن في اذن الهارب رنين التهديد

2- إسقاط الحائط الرابع :
والذي يعني عدم اندماج الممثل في الشخصية التي يقوم بتمثيل دورها وذلك حتى لا يندمج المشاهد معه فعلى الممثل ان يقوم بدور الشخصية فقط أي توصيل الفكرة للمشاهد لذلك يجب ان يعي الممثل جيدا انه يقوم بعملية التمثيل في اطار ثلاث حوائط اما الحائط الرابع فهو غير موجود ليحل الجمهور محله وبالتالي عليه ان لا يندمج في تمثيله حث كان الممثل لا يرتدي زيا معينا على خشبة المسرح بل يرتدي ثيابا عادية ويتم وضع ورقة على صدره يكتب عليها اسم الشخصية التي يقوم بتمثيلها الممثل .

3- التباعدية :
أي ان يتمكن الجمهور من الحفاظ على مسافة بين الخشبة والصالة حتى لا يتوحد بالأحداث ويصير جزءا منها وبالتالي يكون عاجزا على إصدار أي حكم.- ينبغي على الممثل أن لا يفكر بنقل المشاهدين إلى عالم من الغيبوبة، أو أن يسمح هو لنفسه بالانغماس في عالم من الغيبوبة أيضا - و أن يحافظ دائما على مسافة بينه وبين الشخصية التي يمثلها ليعطي الجمهور الإحساس بأن ما يجري أمامه ليس إلا لعبة مسرحية،موجها إياه إلى رد فعل انتقادي. وهذا ما يسمى ب(كسر الإيهام) عند بريخت .

4- إحلال بناء المسرحية الدائري بدلا من الهرمي :
حيث رفض برخت فكرة البناء الهرمي التقليدي للمسرحية ( عرض – عقدة – حل) واستبدله بالبناء الهرمي الذي يعتمد على مسرحية داخل مسرحية او مجموعة مسرحية تتكون من مجموعة من الفصل تختلف عن بعضها البعض والتي لا يربط بينها شيء إلا الإطار العام ومن امثلة ذلك مسرحية دائرة الطباشير القوقازية التي تعتمد على بناء مسرحية داخل مسرحية

5- التغريب :
لقد استخدم بريخت التغريب بمعنى تقديم الأمور المألوفة في صورة غربية , ان القوة التي تجبر المتفرجين على رؤية أو إدراك شيء مألوف كما لو انه جديد ويرى لأول مرة بمعنى انه عندما نتعود على رؤية او سماع شيء تعودا تاما يصبح من السهل الاعتقاد بان هذا الشيء هو دائما كذلك وبأنه سيكون كذلك , ولكن عندما يقدم إلينا شيء جديد نعتقد بانه ليس حتميا وعلى هذا نقبله ونقتنع به وقد نرفضه , ولإحداث التغريب استعان بريخت في إخراجه بعض الأفلام السينمائية أو صور فوتوغرافية مكتوبة بالفانوس السحري .
وبإمكان المسرح وهو يقدم حفلة ان يحصل على تأثير التغريب بشتى الوسائل وخلال عرض مسرحية ( حياة ادوارد الثاني الانجليزي ) في ميونخ سبق عرض مشاهد معينة منها عناوين تخبر المشاهدين لاول مرة حول المضمون .
وخلال عرض (اوبرا القروش الثلاثة ) الذي جرى في برلين اسقطت على الشاشة أسماء الأغاني بينما كانت تنشد .

6- اخراج بريشت وعمله مع الممثلين
كان بريخت اثناء التدريبات يجلس في صالة الجمهور ويشاهد الممثلين عن قرب وعندما يدخل او يخرج لا يعيق عمل الممثلين حتى انه لا يتدخل لا بالتحسين ولا بالتعديل فهو لا يعتبر الممثلين ادواته فبدلا من التعديل يبحث معهم سويا عن القصة التي ترويها المسرحية .
ان بريخت ليس من المخرجين الذين يعرفون افضل من الممثلين فهو يقف منهم موقف غير العارف لنه لا يريد معرفة ما هو مكتوب بل يريد رؤية كيف يمثل المكتوب
كان بريخت في اخراجه حريصا على ان يجعل كل شيء جميل كجمال الغرفة وجمال المصنع والوان ملابس النساء ... الخ لان المسرح التعليمي يجب ان يكون مسليا ايضا
اما عن علاقة بريخت بالممثلين فكانت علاقة قوية لانه لا يقف منهم موقف الجلاد بل كان يكثر من الفكاهة معهم ولا يجبر احدهم على فعل شيء هو غير راض عنه ولا يجهد الممثل اذا كان مزاجه لا يقبل العمل بصورة كبيرة .
فهدفه هو اظهار سلوك الناس في مواقف معينة فهو لا يهتم ان كان الممثل متحمسا او باردا في العملية .

7- طريقة الدراسة التدريجية وبناء الشخصية :
على الممثل ان يطبع جيدا في ذاكرته هذه العملية التدريجية للدراسة ليتمكن في النتيجية ان يعرض على المشاهد مجمل الطريق المعقد لتطور هذه الشخصية والتدرج ضروري ليس فقط للكشف عن تلك التغيرات التي تمر بها الشخصية في مختلف مراحل المسرحية بل ومن اجل المحافظة على مفاجآت صغيرة ولكنها جوهرية معدة للمشاهد وحاملة اياه على القيام باكتشافات خاصة به


8- فيما يتعلق بالديكور والموسيقى والمنصة
أ- المهمة الاجتماعية للمصمم وأهمية الديكور في عمق المنصة :
ان على مصمم المنصة الا يضع شيئا على مكان ثابت مرة والى الأبد كما ان عليه الا يغيره كذلك بلا سبب او ان يغير مكان شيء ما ذلك انه يقدم صورة عن العالم والعلم يتغير وفق قوانين لم تكتشف بعد بصورة نهائية ومع ذلك فان تطور العالم لا يراه مصمم المنصة وحده ولكن يراه ايضا أولئك الذين يراقبون من داخل صالة العرض ما يصوره هذا المصمم والمهم ليس فقط رؤية العالم من قبل مصمم المنصة نفسه بل المهم كذلك هو الى أي مدى تستطيع هذه الرؤية مساعدة المشاهد على فهم العالم وهذا يعني ان على مصمم المنصة ان يتذكر النظرة الانتقادية التي يتحلى بها المشاهد .
ب- تحديد مهمات الممثلين على اعتبارهم عناصر أساسية في تصميم المنصة :
يتمتع مصمم المنصة الذي يمتلك وسائل تعبيرية خاصة يتمتع بحرية محددة من فهمه لنص المؤلف والعرض المسرحي يمكن ان يقاطع بعرض مناظر مرسومة وأفلام سينمائية ومصمم المصة يعمل بانسجام مع الفنانين الآخرين الذين يتعاونون على اقامة الحفلة على سبيل المثال والآلات الموسيقية والممثلون يشكلون بالنسبة لمصمم المنصة اهم عناصر الديكور
ج- تصميم ساحة التمثيل :
ان الساحة الجيدة هي التي تاخذ شكلها الذاتي في مجرى تغيير الممثلين لمواقعهم خلال التمثيل وهذا يعني ان احسن طريقة لمصمم الديكور هو ان يتم الانتهاء من عملية تحديد الديكور في مجرى عملية التمارين وخلال التمارين يدرس حقيقة ابعاد امكانيات الممثل ويستطيع ان يهب لنجدته في اللحظة المناسبة ومن اجل التوصل الى التاثير المرغوب ويحتاج الانسان الاعرج الى مكان اكبر من اجل الحركة على خشبة المسرح وبامكان مصمم المنصة ان يتدبر امره بشكل واضح مع وسائل فقيرة اذا ما دخلت عناصر معينة من التصميم على اعتبارها اجزاء اساسية من لعب الممثل والممثلون بدورهم يستطيعون بمساعدة مصمم المنصة ان يتغلبوا على صعاب كثيرة وتبعا للتصميم العام للديكور الذي يقع على اختيار مصمم المنصة يصادف في احيان كثيرة ان يغير معنى الملاحظات بينما يغني لعب الممثل بحركات يد جديدة .
د- الإضاءة في المسرحية :
يجب الابتعاد عن الإضاءة المؤثرة أثناء عملية التمثيل حتى لا يندمج المشاهد في المسرحية من خلال تلك الإضاءة
ه- استخدام الموسيقى في المسرح الملحمي :
طبق المسرح الملحمي الموسيقى عند اخراج (اوبرا القروش الثلاثة) (طبول في الليل) (حياة فال المعادية للمجتمع) (حياة ادوارد الثاني الانجليزي) (ماهغوني) (الام) (ذو الرؤوس المدورة والرؤوس المدببة)
وكان اخراج اوبرا القروش الثلاثة عام 1928 يعتبر انجح اخراج قام به المسرح الملحمي وفي هذه المدة استخدمت الموسيقى باسلوب جديد .
ان انصع تجديد هنا كان يتمثل في تمييز القطع الموسيقية بوضوح من مجمل الحدث المسرحي لقد اكد على ذلك من حيث المظهر ايضا حيث احتلت فرقة مسرحية ليست بالكبيرة مكانا من المسرح ملاحظا من قبل جميع المشاهدين وخلال اداء الاغاني كانت الانارة تتغير وعرض الفانوس السحري على خلفية خشبة المسرح .
لقد اظهرت المسرحية القرابة الشديدة للعالم الروحي بين قطاع الطرق وبين البرجوازيين كما اظهرت عن طريق الاستعانة بوسائل الموسيقى ان قطاع الطرق هؤلاء انما يشاطرون الاحاسيس والانفعالات والخرافات الخاصة بكل من البرجوازي الصغير والمشاهد المسرحي .


مقارنة بين المسرح الدرامي والمسرح الملحمي :
المسرح الدرامي المسرح الملحمي

تجري فيه الاحداث الاحداث تروى فيه رواية
تستهلك فاعلية المتفرج فاعلية المتفرج تكون متيقظة تماما
المتفرج يشترك في قلب الاحداث المتفرج يطلع على الاحداث ويدرسها
يهدف الى تفسير العالم يهدف الى تغير عالم
الممثل يندمج في الشخصية الممثل يكون بعيدا عن الشخصية
غايته التطهير غايته التعليم
يعتمد على العاطفة والشعور يعتمد على العقل
كل فصل في المسرحية مرتبط بالآخر كل فصل مستقل بذاته
المشاهد يتلهف على المخرج والنهاية فالمشاهد يتلهف على مجرى الأحداث





                      ندرة التمثيل الصادق
أ                          أ حمد راتب  نموذج للفنان الصادق
بقلم : بدرالدين حسن علي
أظن أن الفنان الراحل المقيم  أحمد راتب لم يجد الإهتمام اللائق به ، وهو فنان بحق وحقيقة ، وسيظل مكانه فارغا إلى أن نجد من يستطيع ملْ الفراغ ، وذلك قد يستغرق وقتا طويلا .
أحمد راتب له مساهماته الرائعة في السينما والمسرح والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وأيضا في المسلسلات التي كشف فيها عن موهبة غير مسبوقة .
         جمعتني الصدفة البحته بالفنان أحمد راتب ، كنت أقيم قي شقة في العجوزة ، قصدت مكانا أتناول منه ساندويتشا ، وجدت أحمد راتب ، لا شعوريا دفعت قيمة الساندويتش الذي
طلبه ،  وجرى بيننا حوار لمدة دقيقتين إنتهى لإستضافته بشقتي في مقابلة صحفية  من نوع " الميني تحقيق "






الاسم عند الولادة أحمد كمال الدين راتب
الميلاد 23 يناير 1949
السيدة زينب
الوفاة 14 ديسمبر 2016 67 سنة
مدينة 6 أكتوبر

أبناء لمياء
لبني
لميس

بدأ مشواره الفني وهو طفل حيث كان يمارس التمثيل في المدرسة، وقد نمت موهبته بالتمثيل عندما التحق بفرقة التمثيل بالجامعة أثناء دراسته بكلية الهندسة، ثم التحق بمعهد الفنون المسرحية وحصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، وكانت بدايته بالتلفزيون، ثم عمل بمسرح الطليعة والسينما. اتسم أداؤه بالبساطة وعدم التكلف. اشتهر بأداء الأدوار الكوميدية.
نال جائزة مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن مسلسل أم كلثوم. شارك في أعمال الفنان عادل إمام. واستطاع أن يؤدي أدواراً جيدة.
شكل قاسماٌ مشتركا لمعظم أفلام الشباب الحديثة، ويعد الفنان أحمد راتب من أبرع الفنانين الذين أدوا الأدوار الهزلية اللاذعة للمجتمع. كانت آخر أعماله السينمائية فيلم فوبيا الذي انتهى من تصويره بالكامل في انتظار عرضه حاليا.

متزوج من ابنة خاله
من أعماله :



نوارة،  مستر أند مسز عويس، اللواءمراد،
قلب برئ، فاصل و نعود الجد

نزلة السمان، ولاد البلد
محترم إلا ربع .عسل إسود
زهايمر
المشتبه ،عزبة آدم .القرش
بدون رقابة

نمس بوند، مفيش فايده
رامي الاعتصامي ،أبو رياض ،مين قدو

  مهندس حسن
بوشكاش
كابتن هيما .ملاك
ألوان السما السبعة .عناني
الأولة في الغرام .مولانا
البلياتشو .راضي الصغير
خليج نعمة .
أنا مش معاهم .
في شقة مصر الجديدة .عيد ميلاد
عمارة يعقوبيان . مطب صناعي ،واحد من
الناس
 دستة أشرار .
عودة الندلة
معلش إحنا بنتبهدل .
السفارة في العمارة
الحاسة السابعة ،العراف
الحياة منتهى اللذة
بنات وسط البلد،
صايع بحر
التجربة الدنماركية
طيور الظلام ، بخيت وعديلة .الإرهابي
المنسي ،الراقصة والشيطان الإرهاب والكباب
اللعب مع الكبار
الدنيا على جناح يمامة
الحب فوق هضبة الهرم
آخر الرجال المحترمين .حتى لا يطير الدخان، شيء في صدري وعدد من المسلسلات والمسرحيات والبرامج والفوازير










                      ندرة التمثيل الصادق
أ                          أ حمد راتب  نموذج للفنان الصادق
بقلم : بدرالدين حسن علي
أظن أن الفنان الراحل المقيم  أحمد راتب لم يجد الإهتمام اللائق به ، وهو فنان بحق وحقيقة ، وسيظل مكانه فارغا إلى أن نجد من يستطيع ملْ الفراغ ، وذلك قد يستغرق وقتا طويلا .
أحمد راتب له مساهماته الرائعة في السينما والمسرح والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وأيضا في المسلسلات التي كشف فيها عن موهبة غير مسبوقة .
         جمعتني الصدفة البحته بالفنان أحمد راتب ، كنت أقيم قي شقة في العجوزة ، قصدت مكانا أتناول منه ساندويتشا ، وجدت أحمد راتب ، لا شعوريا دفعت قيمة الساندويتش الذي
طلبه ،  وجرى بيننا حوار لمدة دقيقتين إنتهى لإستضافته بشقتي في مقابلة صحفية  من نوع " الميني تحقيق "






الاسم عند الولادة أحمد كمال الدين راتب
الميلاد 23 يناير 1949
السيدة زينب
الوفاة 14 ديسمبر 2016 67 سنة
مدينة 6 أكتوبر

أبناء لمياء
لبني
لميس

بدأ مشواره الفني وهو طفل حيث كان يمارس التمثيل في المدرسة، وقد نمت موهبته بالتمثيل عندما التحق بفرقة التمثيل بالجامعة أثناء دراسته بكلية الهندسة، ثم التحق بمعهد الفنون المسرحية وحصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، وكانت بدايته بالتلفزيون، ثم عمل بمسرح الطليعة والسينما. اتسم أداؤه بالبساطة وعدم التكلف. اشتهر بأداء الأدوار الكوميدية.
نال جائزة مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن مسلسل أم كلثوم. شارك في أعمال الفنان عادل إمام. واستطاع أن يؤدي أدواراً جيدة.
شكل قاسماٌ مشتركا لمعظم أفلام الشباب الحديثة، ويعد الفنان أحمد راتب من أبرع الفنانين الذين أدوا الأدوار الهزلية اللاذعة للمجتمع. كانت آخر أعماله السينمائية فيلم فوبيا الذي انتهى من تصويره بالكامل في انتظار عرضه حاليا.

متزوج من ابنة خاله
من أعماله :



نوارة،  مستر أند مسز عويس، اللواءمراد،
قلب برئ، فاصل و نعود الجد

نزلة السمان، ولاد البلد
محترم إلا ربع .عسل إسود
زهايمر
المشتبه ،عزبة آدم .القرش
بدون رقابة

نمس بوند، مفيش فايده
رامي الاعتصامي ،أبو رياض ،مين قدو

  مهندس حسن
بوشكاش
كابتن هيما .ملاك
ألوان السما السبعة .عناني
الأولة في الغرام .مولانا
البلياتشو .راضي الصغير
خليج نعمة .
أنا مش معاهم .
في شقة مصر الجديدة .عيد ميلاد
عمارة يعقوبيان . مطب صناعي ،واحد من
الناس
 دستة أشرار .
عودة الندلة
معلش إحنا بنتبهدل .
السفارة في العمارة
الحاسة السابعة ،العراف
الحياة منتهى اللذة
بنات وسط البلد،
صايع بحر
التجربة الدنماركية
طيور الظلام ، بخيت وعديلة .الإرهابي
المنسي ،الراقصة والشيطان الإرهاب والكباب
اللعب مع الكبار
الدنيا على جناح يمامة
الحب فوق هضبة الهرم
آخر الرجال المحترمين .حتى لا يطير الدخان، شيء في صدري وعدد من المسلسلات والمسرحيات والبرامج والفوازير






















الثلاثاء، 14 فبراير 2017


ان – الأردن
   " كتب بدر الدين حسن علي ثلاث مقالات مهمة عن المسرح في السودان ، نشرتها جميعا مجلة :( الأقلام) العراقية في ثلاثة أعداد الأول بتاريخ 1977 والثاني بتاريخ سبتمبر 1977 والثالث بتاريخ فبراير 1978 م .
     وهذه المقالات المهمة هي كل ما استطاع علي الراعي أن يعثر عليها من مراجع كي يثبت النشاط المسرحي في بلد عربي واعد ومبشر وهو السودان فيقول الأستاذ بدر الدين : إن تاريخ المسرح السوداني يبدأ في عام 1902 ، حين كتب عبد القادر مختار أول مسرحية سودانية هي (نكتوت ) ومعناها: ( المال ) وقد أشار كاتب المقال إلى أنها أول نتاج سوداني كما ورد في كتاب (حياتي ) الجزء الثاني للأستاذ بابكر بدري .
     ويقول الأستاذ بدر الدين : إن المسرحية – على أهميتها التاريخية – لا تمثل إلا ظاهرة معزولة لا أثر لها ، والمغزى الوحيد الذي تشير إليه  أن الإنجليز كانوا أبعد نظرا من المستعمرين الأتراك ، فسمحوا لبعض النشاط الفني والثقافي بالقيام في السودان ، على عكس المستعمرين الأتراك الذين كانوا هم أنفسهم غير مثقفين ، وبالتالي كانوا أعداء الثقافة .
    وتلي الإشارة إلى ( نكتوت ) ، إشارات مخلفة إلى نشاطات مسرحية مدرسية في السودان تمت ما بين السنوات 1905-1915 . فقد مثلت مدرسة البنات للرسالة الكاثوليكية في أم الدرمان مسرحية أدبية ضمن ألوان أخرى من النشاط المدرسي شمل إلقاء الخطب وعرض الأشغال اليدوية.
    وفي عام 1905 نشرت جريدة السودان بتاريخ 5 أكتوبر أن ( جمعية حب التمثيل ) ستقيم ليلتها الخيرية في قهوة الخواجا لويزو حيث يقوم أعضاؤها بتمثيل بعض المسرحيات الهزلية بالإنجليزية والعربية إلى جانب  فقرات موسيقية يشملها الحفل .
     وفي 15 نوفمبر 1909 نشرت جريدة السودان خبرا عن مسرحية عرضت باسم : ( هفوت الملوك ) وتستمر أنباء المسرح في جريدة السودان على هذا المنوال فتذكر مسرح ( الخواجة لويزو) .

    لكن هذه النشاطات المسرحية كات متقطعة ولم تكن تيارا متصلا ، وأن مقدميها كانوا وافدين على البلاد آتوا من الشام  ومصر .
    وفي فترة ما بين 1903- 1915 بدأت محاولات في التأليف المسرحي على يد الأستاذ إبراهيم العبادي الذي كتب ( عروة وعفراء ) بالشعر العامي وقد استمدت مادتها من التراث العربي القديم .

       ويشير الأستاذ حبيب مدثر في بحثه : ( نحو مسرح سوداني ) الذي نشر في مجلة الخرطوم ، إلى أن فن المسرح قد نقله إلى السودان جماعة من الأساتذة المصريين الذي عملوا في أول هذا القرن بالتدريس في كلية غوردون التذكارية .
      وكانت أول مسرحية لهم بعنوان : ( التوبة الصادقة ) مثلت عام 1912 والمسرحية مصرية والممثلون مصريون وبطلها قاض مصري قام هو بنفسه بإخراجها .
      وفي عام 1918 قام نادي الخريجين وتكونت جماعة صديق فريد للمسرح ، وظلت هذه الجماعة تقدم مسرحياتها العديدة خمس عشرة سنة . وقد أشار الأستاذ حسن بخيلة في كتابه : ( ملامح من المجتمع السوداني ) إلى نشاط تلك الجماعة ، وقد كان فريد أقوى ممثل سوداني اعتلى الخشبة ، وقد أدى الكثير من المسرحيات واتجهت الجماعة إلى عرض المسرحيات التاريخية هربا من وطأة الاستعمار الذي كان لا يسمح بأي محاولة تعرض بالنظام السياسي الاستعماري ، لهذا اتجهت الجماعة إلى التاريخ أو المسرحيات الأدبية وبينهما مسرحيات شوقي الشعرية ، وأجادت الجماعة تمثيل ( مجنون ليلى ) على وجه الخصوص وأضافت إلى برامجها مسرحيات عالمية معربة مثل مسرحيات شكسبير : ( أنطوني و كليوبترا) (ليوليس قيصر ) (تاجر البندقية).
     ولم يقتصر عمل الجماعة في العاصمة بل كانت الفرقة تسافر في مناسبات الأعياد الدينية وخلافها لعرض مسرحيتها في مدن وأقاليم أخرى .
     لكن الأستاذ حبيب مدثر كان يعيب على هذه الجماعة استخدمها الأسلوب الخطابي الذي اعتمدته الفرقة كوسيلة فنية لها ، وربما كان لهم بعض العذر في هذا ، إذ أن الخطابة ضرب من ضروب التنفيس عن الثورة المكبوتة .
   وكان لهذه الجماعة بعض المسرحيات الاجتماعية (كالبتول ) أو ( الغيرة )  وقد اصطدمت الفرقة بالصعوبة التقليدية : ندرة أو انعدام العنصر النسائي ، وقد لجأت الفرقة إلى الحل التقليدي كذلك وهو : الرجال في أدوار النساء .
    ولم تلبث الجماعة أن انفضت عقب اعتزال صديق فريد وبعد أخذ الاستعمار البريطاني يتعسف في معاملته للفن المسرحي عقب الثورة الوطنية التي هبت عام 1924م وظهر في أفق المسرح السوداني نجم جديد هو عبيد عبد النور أحد خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت ، وقد بدأ نشاطه بين الطلبة غوردون ، فأخذ يقدم مسرحيات قصيرة ذات أصل أجنبي ، جعل يسودنها ويقدمها لجمهوره.
   وكان عبيد يقدم مسرحياته تحت شعار :( ليالي الأنس ) وقد عرض عبيد مسرحية قصيرة ( المأمور والمفتش ورجل الشارع ) ثم استدعي عبيد لمقابلة نائب مدير المخابرات الذي طلب إيقاف المسرحية بدعوى أنها خطيرة على الأمن ، وهكذا توقف نشاطه المسرحي وهو في بدايته .
     وفي عام 1932 كتب خالد أبو الروس أول مسرحية سودانية خالصة، وكان أن ظهرت مسرحية : (تاجوج والمحلق ) وهما شخصيتان عاشتا قصة حب مأساوية، ويقول الأستاذ بدر الدين حسن علي إن المسرحية – رغم بدائيتها- تسجل خطوتين مهمتين هما : الموضوع الوطني ، والاتجاه إلى التراث ، وللمسرحية فضل آخر وهو الخروج من العرض المسرحي المدرسي الضيق إلى رحابة الأندية الرياضية ، إذ كون خالد فرقة بنادي الزهرة الرياضي ، عرضت فيه المسرحية ، ومن ثم أخذ كل ناد رياضي يبحث عن كاتب يحتضنه وينتج له مسرحياته .
      وهكذا اتصلت الحركة المسرحية الجديدة بجمهور الأندية الرياضية العري مما أدى إلى انتعاش  الحركة المسرحية والنشاط الاجتماعي في آن واحد.
    وبعد نجاح ( تاجوج والمحلق ) ، ألف خالد أبو الروس مسرحيته الثانية ( خراب سوبا) في أواخر عام 1933م وأستقى حوادثها من تاريخ القرن السادس عشر عندما اتحد العرب والغونج لمحاربة النوبة وخربوا عاصمتها سوبا ، أما خالد فقد صور في مسرحيته مأساة الشر الإنساني وغريزة الثأر التي تودي بعقل الإنسان فتدفعه إلى ارتكاب الجرائم بلا توقف ، وقد أظهر الكاتب سوبا في هيئة عجوز قبيحة الشكل ورمز بها للنفاق الذي يستشري في الحياة الاجتماعية على مستوياتها جميعا .
     والجدير ذكره بأن مسرحيات خالد أبو الروس (السبعة الحرقوا البندر) و ( مات طه ) و( الضحية ) و(الحب والمال ) وكانت تعرض في معظم أرجاء السودان وبعض قراه .
    ثم تآمرت الظروف المحيطة على فرقة أبو الروس ، فلم تلبث أن تبددت فقد ظهر منافس خطير للمسرح في السودان وهو الفيلم المصري وخاصة أفلام محمد عبد الوهاب الغنائية (الوردة البيضاء) (يحيا الحب) ،غير أن أبو الروس عاد نشاطه بمسرحية (إبليس ) بتشجيع من وزارة الشؤون الاجتماعية للتمثيل بعد قيام الحكم الوطني في البلاد عام 1968م .
     ومع خالد أبو الروس ظهرت جهود الشاعر إبرهيم العبادي الذي قدم مسرحية من تأليفه عام 1934م وهي ( الملك نمر). وهي تستمد حوادثها من التاريخ ، لكن الحوار في المسرحية طويل والخطب رنان يضعف الجو العام للمسرحية ، وقد ظهر كتاب آخرون مثل : سيد عبد العزيز (مسرحية صور العصر ) وأمين القوم ( مسرحية فتاة البادية ) 1938م .
    وفي عام 1936 تكونت أول فرقة للتمثيل، وظهرت المرأة السودانية على المسرح، أنشأ الفرقة الفنان ميسرة السراج، وقد قدمت فرقته هذه مسرحيات كثيرة ذات محتوى اجتماعي منها ( وفاء وعجائب ) و ( انتقام وغرام ) ، كما فتحت الفرقة الباب واسعا للتبرعات واتجهت للشعب بشعار : " أعطني قرشا أعطيك مسرحا " .
    وينهي الأستاذ بدر الدين حديثه عن فترة ما قبل الاستقلال بالإشارة إلى تجربة معهد (بخت الرضا ) الذي قام في عام 1934 م برعاية الدكتور أحمد الطيب وقد بدأ المعهد بإنشاء فرقة للتمثيل ، أخذت تقدم روائع شكسبير (يوليوس قيصر ، الملك لير ، هاملت ) .
     وقد راعى الدكتور أحمد الطيب في ترجمة هذه المسرحيات أن تكون ملائمة لإمكانيات وأمزجة الطلبة وغيرهم من المتفرجين .
    وفي الأول من يناير 1956 ، نال السودان استقلاله الوطني غير أن هذا الحدث القومي الكبير لم يجد تعبيرا عنه في المسرح ، الذي اكتفى بالاسكتشات الفكاهية ، وفي عهد حكومة عبود الانقلابية ثم بناء أول دار مسرحية كبيرة سميت : المسرح القومي وتم البناء في أم الدرمان عام 1959م .
     ويقول الأستاذ بدر الدين إن أول أعمال هذا المسرح الشعبي قد جاء عن طريق جماعة تعرف باسم " أباد أماك " وكانت مسرحية : ( عنبر جودة ) حادثة وقعت بالفعل حين رفض المزارعون تقديم أقطانهم للسلطة الإقطاعية فطوقت هذه القرية جودة بعربات الشرطة المدججين بالسلاح والتقطت من بين صفوف الفلاحين 103 من زعمائهم و حشرتهم في غرفة ضيقة ثلاثة أيام ليس فقط دون أكل وماء بل دون هواء كذلك ، وكانت النتيجة أن مات هؤلاء المساكين اختناقا ، وقد قدمت الجماعة هذه الدراما الإنسانية بغاية إبراز آلام الشعب ومعاناته .
     ومن أعمال الجماعة أيضا ( أحزان ما بعد الساعة السادسة والنصف مساء) من تأليف عبد الله علي إبراهيم ومسرحية ( خطبة دفاع عن سميح قاسم ) كشفت فيها ما تعرض له هذا الشاعر المناضل من تعذيب في سجون "إسرائيل" .
    وتمخضت الثورة الشعبية أيضا عن نتاج مسرحي جديد هو المسرح الجامعي الذي لم يقدم مسرحية واحدة سودانية .
     وفي المقالة الثالثة يتحدث الأستاذ بدر الدين عن المسرح القومي في السودان تحت توجيه الأستاذ الفكي عبد الحميد الذي تولى منصب مدير المسرح القومي في عام 1967م وقد درس المسرح في إنجلترا فأراد النهوض من المتاعب الكثيرة التي تحيط بالمسرح السوداني ، فانتشاره محدود ، قضية المسرح غير مطروحة بشكل إيجابي على مستوى القطر ، النظرة العامة إليه هابطة ،ولم يبرز بعد الكاتب المسرحي المتمرس ، وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بالمسرح ، ولا معهد للمسرح هناك لإخراج الطواقم المسرحية اللازمة ، ولا تزال المرأة غير حاضرة بالشكل المطلوب في نشاط المسرح ، فضلا عن المنافسة التي كان يلقاها المسرح من قبل السينما والتليفزيون .
     وقدم المسرح القومي في أول موسم له تحت قيادته أربع مسرحيات سودانية كلها هي : ( الملك نمر) من تأليف إبراهيم العبادي و ( ستار المحروسة ) من تأليف الطاهر شبيكه ، و( إبليس ) من تأليف خالد أبو الروس و( أكل عيش ) من تأليف الفاضل سعيد ، وكان الموسم ناجحا متوازن الاتجاه فالمسرحيتان الأولى والثانية من التاريخ ، والثالثة والرابعة من لون الكوميديا النقدية .
     ولم ينحصر جهد الفكي في العاصمة السودانية وحدها بل مد بصره إلى الأقاليم فعمل على بناء مسارح جديدة ، مثل مسرح تاتوج بكسلا ، و مسرح بورتسودان، ومسرح الجزيرة بود مدني ، ومسرح عطبرة مسرح كردفان ، كما أنها تنوعت العروض بين مسرحيات سودانية وعربية وعالمية معطية الأفضلية للمسرحية المحلية .
      وقد كان من أثر ازدهار المسرح في هذه الحقبة أن تألف إلى جوار المسرح القومي فرق مسرحية جديدة ، و أنشأ الفكي إدارة للفنون المسرحية والاستعراضية ، وكان من أبرز الفرق التي نشطت في هذا المعهد فرقة : الفاضل سعيد ، ولم تكن فرقة  جديدة في الواقع فقد امتد عمرها في الزمن إلى عشرين سنة خلت ، وكانت تمتد طوال هذه السنين وكان الفاضل من أبرز الكوميديين السودانيين ، وفي النشاط المسرحي الذي قدمه على خشبة المسرح القومي قدم مسرحيات : (أكل عيش ، ما من بلدنا ، النصف الحلو ، أبو فراس ، عم صابر ) وكانت أنجح هذه المسرحيات مسرحية (أكل  عيش)، وقد أخذ الفاضل سعيد بطريقة التأليف الجماعي ، حيث يبدأ لنص بفكرة ما تطرح أمام الفرقة وتبدأ المساهمات بما يجعل الحوار يتزايد ، وغالبا ما يكون هذا عن طريق الارتجال.
     وفي عام 1976م قامت فرقة الخليل 76 المسرحية ، وأخذت تركز نشاطها بشكل أساسي على إنهاض مسرح الطفل وقدمت أعمال ناجحة في هذا المجال ، وفي عام 1968م أفتتح معهد الموسيقى والمسرح الذي خرج أربع دفعات ، وقد قدم طلابه أعمالا وبحوثا مسرحية قيمة.
     وفي عام 1970م أخذت فكرة تكوين اتحاد للممثلين السودانيين تبرز إلى الوجود وتم  تكوين لجنة تمهيدية في العام نفسه ظلت تمهيدية وحسب حتى عام 1975م حين انتخبت لجنة تنفيذية لاتحاد الممثلين السودانيين وقد شرعت في محاولة إنقاذ الحركة المسرحية السودانية في وجه ضغوط معاكسة من وزارة الثقافة والإعلام .
      وتم إنشاء فرق للشباب في كل من أم الدرمان والسجانة وبحري ، وفي عام 1976م أفتتح            أول مسرح سوداني يبنى على أحدث الطرق والوسائل الفنية وهو مسرح الصداقة السودانية   الصينية
                                                       

مسرح الأمس...مسرح اليوم
بمناسبة مرور أربعين عاما على المسرح الحديث في السودان
ذكريات لا تنسى (2)

بدر الدين حسن علي
تورنتو

لا بد من الإشارة إلى أن هذه الذكريات أكتبها وأنشرها للمرة الأولى بناءً على رغبة ملحة من عدد كبير من الأصدقاء المسرحيين، وتلبية لوعد قطعته لأستاذي وخالي الفكي عبدالرحمن في إحدى محادثاتي الهاتفية معه قبل رحيله ويسعدني كثيراً أن تكون صحيفة "الأحداث" أول صحيفة تنشرها بإعتبار "مجانيتها"، وحتى يتمكن أكبر قطاع ممكن من الجمهور المسرحي من مطالعتها.
وأقول للمتسائلين: لماذا هذا التأخير؟ ذلك أني ببساطة لا أحب كتابة المذكرات لأنها توحي بدنو القبر، وأنا على الرغم من أني على مشارف العقد السادس تتملكني أمنية أن أعيش ستة عقود أخرى فقط لكي أشاهد متغيرات المناخ الجغرافي والسياسي والإجتماعي القادمة، ولعشق  داخلي لمزيد من حياة المكابدة والمشقة.

افتتاح المواسم المسرحية للمسرح القومي

كان الشاعر الكبير إبراهيم العبادي قد كتب مسرحية "المك نمر" خلال عقد الثلاثينات لتضاف أيضا لمسرحية تاجوج التي كتبها خالد أبو الروس، وهما مسرحيتان سودانيتان لحماً ودما، ولكن آثر الفكي عبدالرحمن أن يفتتح المواسم المسرحية للمسرح القومي بمسرحية العبادي "المك نمر" حيث قام الفكي بإخراجها، وهي بالمناسبة المسرحية الأولى التي أخرجها الفكي للمسرح القومي وبعدها أخرج مسرحية "على عينك يا تاجر"، ثم توقف عن الإخراج، ذلك لأنه إنشغل بعدها بإدارة شؤون المسرح ذات نفسه وكانت مهمته دون أدنى شك في غاية الصعوبة والتعقيد، لأنه وفي غضون فترة وجيزة تنوعت وإزدادت أنشطة المسرح القومي حتى أصبح قبلة لكل سكان العاصمة المثلثة، فصالة المسرح تمتليء عندما تكون هناك مسرحية كما تمتليء في الحفلات الغنائية بنوعية خاصة من الجمهور يحجزون المقاعد الأمامية تفوح منهم رائحة المسك والعنبر.

                                لماذا "المك نمر"؟

في إحدى جلسات الغداء سألت الفكي عبد الرحمن: لماذا اخترت مسرحية "المك نمر"  كبداية؟ ألم تكن تاجوج أكثر شهرة منها؟ قال لي تاجوج قصة حب لا تختلف كثيراً عن روميو وجوليت رائعة شكسبير الخالدة، ولكني كنت أبحث عن شيء يتعلق بالشخصية السودانية، بالهوية السودانية فوجدت ذلك في "المك نمر"، كنت في ذلك الوقت وأنا ما أزال طالبا بالثانوية كتبت مقالا بمجلة الإذاعة والتلفزيون عن مسرحية "المك نمر" وأشرت في صلب المقال على ما أذكر إلى أن العبادي كان في مسرحيته عروبياً مناصراً للقبائل العربية عندما يتحدث عن الهوية السودانية، بينما الفكي بتدخله في النص المسرحي وإضافة قبيلة الزاندي تمكن من تحويل المسرحية إلى وجهة تعني بكل قبائل السودان" .

سنار المحروسة

"سنار المحروسة" كانت المسرحية الثانية ضمن موسم 1967 – 1968. وهي من تأليف وإخراج الطاهر شبيكة، سليل أسرة شبيكة المعروفة، ومن الواضح جداً أن اسم المسرحية يعكس ما يود شبيكة طرحه في تلك الفترة، وقد كان الفكي عبد الرحمن موفقاً تماماً عندما وقع اختياره على الطاهر شبيكة ومسرحيته "سنار المحروسة"، لأنه بذلك الإختيار ربط مسيرة المسرح السوداني الحديث منذ البداية بالخط الوطني، وهو ما فجر فيما بعد ذلك الصراع الرهيب بين المسرح والسياسة، أو بمعنى أصح بين المسرح والقوى الأمنية التي حاصرته في جميع الأعمال المسرحية التحريضية، كما حاصرت الكتاب والمخرجين الذين آمنوا برسالة المسرح كفن يدعو للتوعية والإدراك والفهم للقضية الوطنية .

خراب سوبـــا

هي المسرحية الثالثة في ذلك الموسم الافتتاحي، وهي أيضا تكشف عن مدى وعي الفكي عبدالرحمن وإدراكه لفن المسرح، والواقع أن المسرحية قدمت بإسم "إبليس"، التي ألفها الكاتب والشاعر القدير خالد أبوالروس عام 1964، وأخرجها أحمد عثمان عيسى، وهي أيضا رغم كثرة الخطوط الدرامية في المسرحية إلا أنها تصب في ذات الوجهة بالبحث عن الهوية حتى في داخل تلك الثورة السنارية المعروفة التي جعلت كتابا وشعراء فيما بعد مثل محمد عبد الحي والنور عثمان أبكر يوجدون ما عرف ب "العودة إلى سنار".

أك
مسرح الأمس...مسرح اليوم
بمناسبة مرور أربعين عاما على المسرح الحديث في السودان
ذكريات لا تنسى (3)

بدر الدين حسن علي
تورنتو
  

في عام 1967 وكنت ما أزال طالباً في الثانوي العالي بمدرسة الأهلية الثانوية بأمدرمان، جمعتني عدة جلسات فنية مع خالي الأستاذ الفنان الكبير الراحل المقيم الفكي عبد الرحمن، كان يقول لي "يا بني مستقبلك في المسرح"، وكان وقتها قد "سلفني" مجموعة كبيرة من الكتب المسرحية اشترط علي إعادتها حالما أنتهي من قراءتها، ولكني كنت سيئاً جداً في إعادة الكتب لأصحابها، ولازمتني هذه الخصلة السيئة  طوال حياتي المهنية، إلى أن جاء اليوم الذي دفعت فيه ثمن تلك الضريبة بأن قام أخواني وأصدقائي بالسطو على جميع كتبي المسرحية وغيرها، وإذا بي أجد مكتبتي فارغة تماماً من الكتب ما عدا بعض الكتب الصفراء التي كنت أزين بها مكتبتي ولم تغرني في أي يوم من الأيام بمطالعتها.

في العام 1968 أكملت المرحلة الثانوية العليا، وتم قبولي بجامعة القاهرة الفرع، وكان السبب الرئيسي في ذلك نبوغي الفني المبكر، علماً بأنني كنت أحصد درجات عالية في مادة "الحساب"، ووجدت نفسي كارهاً للجامعة ودراساتها، وكان من الطبيعي أن أتوجه إلى خالي الفكي عبد الرحمن طالباً منه أن يساعدني في العمل بالمسرح القومي، ولدهشتي الكبيرة وافق خالي مباشرة وطلب مني أن أحضر إلى مكتبه في اليوم التالي.

وكان اليوم التالي علامة فارقة في كل حياتي، وما يزال، فقد تحول حبي وعشقي للمسرح من مجرد علاقة عاطفية وجدانية وهوىً مجنون بالكتب وبشكسبير وبريخت وهنريك إبسن وكورني وراسين وموليير والبير كامو وغيرهم من الكتاب والفنانين المسرحيين، إلى واقع ملموس. فقد تم تعييني على بند المرحوم الشريف الهندي بالمسرح القومي بأمدرمان وإذا بالفكي يدفعني  دفعا إلى المزيد من مطالعة الكتب فيسند لي مسؤولية المكتبة، وكانت من إغراءاته لي الالتحاق بمعهد الموسيقى والمسرح دون أن أفقد وظيفتي في المسرح وأيضاً الحصول على بعثة دراسية عن المسرح في إحدى الدول الأوروبية، وقد تحقق الإغراء الأول بينما فشل التخطيط الثاني فشلا ذريعاً بسبب العداء الشديد الذي كان بيني وبين الجهاز الأمني الإستخباراتي.

تواصلت التحضيرات والاستعدادات لبداية المواسم المسرحية بالمسرح القومي بأمدرمان، وبتشجيع من خالي الفكي عبد الرحمن، وبما توفر لي من ثقافة مسرحية جعلتني محاوراً صعباً للفكي عبد الرحمن ذات نفسه عندما يطرح موضوعاً للنقاش. كان الفكي ديموقراطياً، بل مدرسة في حرية الرأي والتعبير، وصراحة أقول لقد علمني الفكي فأحسن تعليمي.

خلال هذه الفترة تعرفت على عثمان جعفر النصيري، وكان قد تخرج لتوه في جامعة الخرطوم والتحق بالعمل بالمسرح القومي بأم درمان لنشاطه المعروف في المسرح الجامعي. كان النصيري يكبرني بعدة سنوات، ولكنه فرض علي احترامه لذكائه الشديد، وسرعان ما أصبحت متأثراً به تأثيراً شديداً. كان يزورني في مكتبي وأنا مسؤول مكتبة المسرح القومي التي كانت في بدايتها، كان يقضي معي فترات طويلة كان لها أكبر الأثر في تحولي الكبير من مجرد شخص عادي إلى شخص آخر.
أحببته كثيراً، بجسمه النحيف وعينيه الواسعتين وأنف سيرانو دي بيرجراك، وأصبحت أزوره في بيته، ومنه تعلمت الكثير، تعلمت الكثير جداً وما زال الود بيني وبينه قائماً!

اغتنمت مسؤوليتي عن المكتبة، فعرضت بعض الأفكار على الأستاذ الفكي عبد الرحمن على تطويرها، وكعادته لم يبخل، فقد وافق على كل ما عرضت، وبالطبع استعنت بصديقي وأستاذي النصيري، فقمنا بشراء كمية محترمة من الكتب المسرحية وغيرها من عدد كبير من المكتبات أذكر في مقدمتها مكتبة القدال.

هذا النشاط أوجد نوع من الاحترام بيني وبين بقية الزملاء في المسرح القومي فبادرت إلى إبداء رغبتي لأستاذي الفكي عبد الرحمن بأن أنتقل إلى مجال آخر. 

وفوجئت به أيضا يوافق وينقلني إلى وظيفة مدير خشبة. لم تكن الوظيفة غريبة علي، بل كنت أفهم كل ما يحيط بها من نظريات ومهام ومسؤوليات وكنت محظوظاً جداً بأن اختارني صديقي وأستاذي عثمان جعفر النصيري لكي أكون مدير خشبة لأول عمل مسرحي له ومن تأليفه وإخراجه، فكانت مسرحية "مجلس تأديب". وتعرفت أيضاً على الراحل المقيم الشاعر علي عبد القيوم، وساعدت في إخراج مسرحية حفل سمر لأجل خمسة حزيران، وكان له أثر كبير في تشكيل رؤيتي المسرحية والسينمائية. كما تعرفت على د. خالد المبارك، وكان هناك خالي الآخر عبد الرحيم الشبلي الذي كتب مسرحيته الشهيرة "أحلام جبرة". وتعرفت أيضاً على أساتذة آخرين أمثال إبراهيم شداد، والذي تشرفت بالعمل معه في مسرحيته "المشي على الرموش"، والأستاذ الراحل المقيم عوض محمد عوض، وعملت معه في المسرحية الشهيرة "الزوبعة". كما تعرفت على فنانين مسرحيين آخرين سيأتي ذكرهم في حلقات قادمة، أمثال الراحل المقيم محمد رضا حسين، تحية زروق، فتحية محمد أحمد، نادية بابكر، الريح عبد القادر، محمد شريف، إسماعيل طه وقائمة تطول من الأسماء اللامعة.

إلا أن أهم محطة في حياتي المسرحية هي العلاقة التي نشأت بيني وبين الشاعر والكاتب والناقد والممثل هاشم صديق، وما زالت هذه العلاقة ومنذ الستينات قائمة إلى الآن، والواقع أنني افتقدته كثيراً في سنوات الغربة الممتدة من السبعينات وإلى اليوم، ولم يغب عن خاطري أبداً، ولذا سأحكي عنه وعن بعض التفاصيل الهامة لاحقاً.
  
   






 
© جميع حقوق النشر محفوظة للجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية 
TOUS DROITS RSERVS © 2005
Copyrights © 2005Sudan for all. All rights reserved 



الرئيسيةالسياسيةالاقتصاديةالدوليةالرياضيةالاجتماعيةالثقافيةالدينيةالصحيةبالفيديو

بحث في الأرشيف
موضوع
قائمة الصحف
أمير الكويت يستقبل رئيس القضاء السوداني    مسؤولون يقفون على زراعة محصول القمح    هل 14 فبراير عيد حب أم عيد فسق؟    حسبو :أبدى عدم انزعاجه من هجرة الأطباء    المدير العام للشرطة: الخرطوم أكثر العواصم أمناً    منتخب السودان للشباب يخسر بثلاثية بيضاء من غينيا    ضبط (119,900) حبة ترامادول بالنهود في طريقها للخرطوم    وزير المعادن يتعهد بشراء ذهب (جبل عامر) بالأسعار العالمية    اسعار صرف الدولار والعملات مقابل الجنيه في السودان    بعد ومسافة    هل يترشح البشير للرئاسة إذا عُدِّل الدستور؟    الحكومة: السعودية تدخل ب( 595) مشروعاً استثمارياً في البلاد ب(26) مليار دولار    سرايا بنغازي تتوعد "حفتر" ومرتزقة حركة "جبريل"    توسيع المساحات الزراعية بغرب كردفان    الصين تخطط لإطلاق أول مركبة شحن فضائية فى أبريل    فوق رأي    استقالة مايكل فلين مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض    عرمان : جهاز الأمن وبخ الشرطة على تدخلها إثر انفجار أركويت    صراعات الأراضي في الدالي والمزموم وأبو حجار : توزيع اكثر من (2000) فدان للمسئولين بالمنطقة    مقتل أخ غير شقيق لزعيم كوريا الشمالية في ماليزيا    فتحي الضَّو : رحل بوب وفي نفسه شيء من حتى !    أفق الإمام.. فيلم عن الصادق المهدي    بركان الهلال ينتظر التريعة في الميدان    المريخ يعود اليوم .. يرفض الراحة ويفتح كتاب الإياب    حكومتنا و (ست العرقي) !!    إعلامية تتعرض لصدمة بعد سقوط أسنانها أثناء الحديث والضحك على الهواء    هدى عربي في (عيون بيروت)    نافع: الوطني أكثر الأحزاب السودانية تنظيماً    قيادات صوفية تتمسك بالوسطية وتوحيد الأمة ومواكبة المستجدات    نتنياهو يعلق آمالاً كبيرة علي لقاء ترامب بلا "ثغرات"    دراسة: نصف وفيات التلوث في الصين والهند    المفتي يكشف عن «فترة زمنية» الطلاق فيها حرام شرعًا    عيد الحب هابي فلانتين فيسبوك يفجر مفاجآت للاحتفالات باليوم العالمي للحب    مرضى بمستشفى عبري يشتكون من عدم وجود اختصاصي    لصحة قلبك.. 6 أرقام يجب أن تعرفها جيداً    طلبت منه المساعدة لإصلاح سيارتها .. فاغتصبها!    القرآن “علاج نفسي للمسلمين في بريطانيا”    حركة الأفريقانية ….و الإسلام السياسي في غرب إفريقيا ( جامبيا منوذجاً)    بلا حب بلا وجع قلب    ليه يا ماجد تبخل بى مع السلامه    أبرز عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الثلاثاء 14 فبراير 2017م    ماتت الرسولة ست “رقية صلاح” بعد ثلاث ساعات من إنتظار الدفاع المدني.. تموت (استاذة) فى جهل عدم الاستطاعة    أبرز عناوين الصحف السياسية السودانية الصادرة الثلاثاء 14 فبراير 2017م    تفاصيل إحباط أخطر عملية تصنيع متفجرات داخل شقة بالخرطوم    توقيع عقوبة السجن لشاب ضبطت بحوزته حبوب مخدرة    خمس مواجهات ساخنة في افتتاح الجولة الخامسة للممتاز اليوم    المريخ يكسب سوني الغيني بهدف الأباتشي    طارق: المتأهل من بورت لويس وتوسكر لن يصمد أمام الهلال    ضبط أسلحة وذخائر بالنيل الأبيض    علماء السُّنَّة وموقفهم من المنطق    حلمي ومنى ودنيا سفراء لليونسيف في مصر    الهند: استعادة نسخة مسروقة من ميدالية نوبل للسلام    ينبغي في البداية أن يحطم العلم الرأي    صحفية مغرورة ظنت أن عداءها للنظام الحاكم يبيح لها أن تتجاوز الخطوط الحمراء وتتطاول على الله ورسوله    المريخ يفوز بهدف ويقترب من التأهل    ضبط أسلحة وذخائر بالنيل الأبيض    منبر كلفورنيا ينعي المناضل الجسور د.عبد الماجد بوب    أعلى نسبة فى الدول العربية ، ارتفاع نسبة العقم فى السودان إلى 20%  













مواضيع ذات صلة
ألتوثيق ... عصر... سياحة في عقل وفكر المسرحي عثمان جعفر النصيرى السواح
التوثيق ... عصر... سياحة في عقل وفكر المسرحي عثمان جعفر النصير ي السواح : بدرالدين حسن علي
شيء من الفن
قصص وحكاوي سنة أولى مسرح في حوش المسرح القومي
قصص وحكاوي سنة أولى مسرح في حوش المسرح القومي





عصر التوثيق: سياحة في عقل وفكر المسرحي عثمان جعفر النصيري .. بقلم: بدرالدين حسن علي
السواح بدرالدين حسن علينشر في سودانيل يوم 27 - 08 - 2011
أظن أنه عصر التوثيق ، كما يقول صديقي الرائع عبدالوهاب همت ، وهو يحتاج إلى قدر عال من الحيدة والموضوعية - يختلف الأمر تماما عن تلك الشبابية والحماسة والإنتقاد اللاذع ، قد يكون مشروعا وربما غير مشروع ، ومن هنا تأتي أهمية ما أقول
وسأدخل في الموضوع بدون فذلكة تاريخية رغم أهميتها ، في يوم من تلك الأيام الجميلة وتحديدا في أوائل السبعينات من القرن الماضي وبعد مناقشة ساخنة مع الراحل المقيم الفكي عبدالرحمن وكان يومها مدير المسرح القومي بأم درمان ، أعربت له عن رغبتي في الإنضمام إلى أسرة المسرح ، أبدى موافقته الكاملة على ذلك ، وفي اليوم التالي أنهى إجراءات تعييني موظفا في المسرح القومي بأم درمان . والذي تم في نفس يوم تعيين صديقيّ اللدودين صلاح الفاضل ومحمد شريف علي ، الأول وصل إلى " رتبة " مدير إذاعة أم درمان والثاني وصل إلى " رتبة " مدير المسرح القومي .
كنت في تلك الفترة أقرأ أكثر من كتاب في اليوم الواحد عن المسرح ، لدرجة أن والدتي - الله برحمها - كانت عندما تخاطبني تقول لي : أسمع يا مسرحنجي إنت !!!!
ويبدو أنني كنت محظوظا ، فمنذ الأيام الأولى لي في "الحوش" - الإذاعة والتلفزيون والمسرح - تعرفت على شخصيات هامة ولكن سأحدثكم عن الشخصيات التي تعرفت عليها في المسرح مثل : عثمان جعفر النصيري ، مكي سنادة ، هاشم صديق ، المرحوم عوض صديق ، صلاح تركاب ، تحية زروق ، فتحية محمد احمد ، أنور محمد عثمان
الريح عبدالقادر ، محمد شريف علي ، عبدالرحيم الشبلي ، بدرالدين هاشم ، المرحوم علي عبدالقيوم ، المرحوم عوض محمد عوض ، اسماعيل طه ، المرحوم الفاضل سعيد ، عثمان قمر الأنبياء - ومجموعة التمر المسوس - عثمان أحمد حمد " أبودليبة " ، حسن عبدالمجيد ، عزالدين هلالي ، الطيب المهدي ، صلاح قولة ، عمر براق ، ، وأيضا سأحدثكم عن د. يوسف عايدابي ،د. خالد المبارك ، السر قدور ، المرحوم أبوالعباس محمد طاهر ، محمد رضا حسين ، علي مهدي ، الهادي الصديق ، فتح الرحمن عبدالعزيز ، ناصر الشيخ ، منى عبدالرحيم ، فايزة عمسيب ، نادية بابكر، سمية عبداللطيف وآخرين .
عثمان جعفر النصيري
عثمان جعفر النصيري أو أبوعازة كما يحلو لي أن أناديه ، أكثر ما لفت إنتباهي فيه أنفه الكبيرة التي تشبه أنف الكاتب و الشاعر الفرنسي الشهير إدمون روستان ها ها ها Iam joking
بالمناسبة أنا قرأت روايته المعروفة سيرانو دي برجراك التي ترجمها الرائع مصطفى لطفي المنفلوطي ، وما زلت أذكر روكسان ابنة عم سيرانو ذات الجمال والذكاء والثروة
انا لا أكتب سيرة ذاتية لعثمان جعفر النصيري وإلا لكتبت عن الجبهة الديموقراطية بجامعة الخرطوم والمسرح الجامعي وأباداماك ، وإنما أكتب عن أهمية النصيري للمسرح السوداني ، فالنصيري كاتب مسرحي ومخرج جيد ، ومحاور ومنظر بارع جدا ، لماح ، قلب كبير ونادرا ما تجده غاضبا ، تقرأ في عينيه الكبيرتين خريطة الوطن كلها ، بمعنى آخر إنسان مفيد جدا ، وكان يمكن أن يكون مفيدا للمسرح لو استقر به المقام في السودان بعد التحصيل الدراسي ، وقد عايشت عن قرب تجربته للتوثيق للمسرح السوداني من خلال كتابه صغير الحجم كثير الفائدة " المسرح في السودان 1905- 1915 " وكتابات ومقالات أخرى .
ومن الصعب أن يذكر النصيري من دون ذكر سلمى بابكر الريح ، تماما مثل الشاعر الكبير الراحل علي عبدالقيوم وسلمى ، أو محجوب شريف وأميرة الجزولي ، أو مامون زروق ونفيسة ، أو عمر الدوش وأسماء ، أو كمال الجزولي وفايزة ، أو د. عاصم عبدالله خليفة وعاتقه ، أو مامون الباقر ونعمات ، أو محمد رضا حسين وسونيا ، أو محمد عبدالماجد وحسونة ، أو عمر الخير وسليمة ، أو كمال شيبون وعلوية ، أو بدرالدين حسن علي وحورية ، وقائمة طويلة من أعز الأسماء والأصدقاء يصعب ذكرها كلها ، وجميع هؤلاء الرجال الذين ذكرتهم يحترمون المرأة جدا ويقدرونها ويعترفون بدورها الفاعل في الحياة والمجتمع .
عثمان جعفر النصيري ذكي جدا و "نضام " ومثقف جدا وموهوب جدا ، وقد شاهدت له عددا من المسرحيات التي أخرجها على أيام المسرح الجامعي بجامعة الخرطوم أذكر منها على سبيل المثال " العجكو " ، مارا صاد للكاتب الألماني السويدي بيتر فايس والتي قدمها في ذات يوم من الأيام من على خشبة المسرح القومي بأم درمان ، كما تشرفت للعمل معه كمساعد مخرج في بعض المسرحيات أذكر منها مسرحية " مجلس تأديب " من تأليفه وإخراجه ، ومسرحية " مأساة الحلاج " للشاعر المصري الكبير صلاح عبدالصبور .
كان الفكي عبدالرحمن دائم الحديث عن النصيري ، وعندما نجلس سوية لتناول طعام الغذاء يكون موضوع " الونسة " النصيري ، وعندما عرف أنني أحبه قال لي " إنت في السليم " ، ولكن النصيري وسلمى تركا السودان إلى لندن - وهو موضوع طويل ليس هذا مكانه – المهم تخرج النصيري في كلية East 15 للمسرح وحاول أيضا أن يلحقني بنفس الكلية ولكن ظروفي الأسرية لم تسمح بذلك .
عثمان جعفر النصيري حصل على الدكتوراة عن جدارة وأصبحت كريمته عازة قامة سودانية يشار إليها بالبنان في عموم بريطانيا ، وله أفضال كثيرة على المسرح السوداني منذ كتابه التوثيقي الأول " المسرح في السودان 1905 -1915 " وحركته الدؤوبة في بريطانيا ومن بينها إخراجه لمسرحية " محمود " عن شهيد القرن الماضي محمود محمد طه ، وقد أرسل لي " مشكورا " شريط فيديو يحتوي على المسرحية ، واستمتعت بمشاهدتها ومشاهدة أصدقائي الممثلين .
إن أكبر مصيبة حلت بالمسرح السوداني - رغم أنه كان طفلا يحبو - التدخل المريع لأجهزة الأمن في نشاطه ، وتفسيراتهم " الهبلة " لمضامين مسرحيات تلك الفترة ، وحملة الفصل والتشريد ، والإتهامات الإعتباطية والتصنيف السياسي البليد ،وخطابات ما يسمى بالصالح العام وهي خطابات في غاية الرعونة والسخف ، إذ لم تمر إلا سنوات قليلة مثلا على نشاط المسرح القومي بأم درمان عام 1967 وبدأت حملة فصل هوجاء وقبيحة كان ضحيتها كاتب هذه السطور وعدد لا يستهان به من المبدعين المسرحيين والذي أدى لاحقا إلى هجرة الكثيرين إلى دول الخليج العربية ، فقط للنجاة من سطوة الأجهزة الأمنية ، وفقد المسرح قامات كان يمكن أن تضيء طريق المسرح بمصابيح لا تنطفيء مطلقا ، أسماء مثل عثمان جعفر النصيري ، يوسف خليل ، هاشم صديق ، يحي الحاج ، صلاح تركاب ، يوسف عايدابي ،عمر براق " نحن نفعل هذا ...أتعرفون لماذا ؟ " ومحاصرته سياسيا ثم هجرته ، محجوب عباس " السود " ، عبدالرحيم الشبلي " أحلام جبرة " ، علي عبدالقيوم ، " حفل سمر لأجل 5 حزيران " شوقي عزالدين ، ابراهيم شداد " وأول مسرحية تم منعها وهي في مرحلة البروفات – المشي على الرموش - ، محمد رضا حسين ، عزالدين هلالي ، عثمان قمر الأنبياء ، وحتى أجانب مثل المخرج الفرنسي باتريس ماري الذي تزوج الفنانة والممثلة الرائعة تحية زروق وأنجب منها أبنتها الوحيدة شيراز المقيمة حاليا في أمريكا بينما باتريس يتنقل بين فرنسا وكندا وأمريكا ، وقائمة تطول وتطول من أبرز الفنانين المسرحيين ، والسينمائيين والشعراء والأدباء والكتاب والتشكيليين – حسن موسى وبولا - والموسيقيين المرموقين .
مسرحية " ماساة الحلاج " على الرغم من أنها ليست مسرحية سودانية إلا أنها علامة بارزة وهامة في تاريخ المسرح السوداني ، بل أنا أعتبرها ضمير المواسم المسرحية التي إنتظمت في السودان منذ عام 1967 ، والمسرح أصلا لا يعترف بالجنسية ، ولولا ذلك لما قدمت مسرحيات شكسبير – هاملت ، عطيل ، ماكبث ، الملك لير إلخ في جميع مسارح العالم ، ولأني عملت فيها كمساعد مخرج كما قلت فقد حفظتها عن ظهر قلب أي من الألف إلى الياء ، أو كما يقولون بالإنكليزية From A to Z ، وكنت جاهزا لتمثيل أي دور فيها إذا غاب الممثل خاصة وقد كنت أعرف كل حركة الممثلين ، وهي تشبه إلى حد ما مسرحية " الحسين شهيدا – الحسين ثائرا " أو " ثأر الله " ، للكاتب الرائع عبدالرحمن الشرقاوي والتي حظيت بمشاهدتها في مصر عندما أخرجها الفنان الراحل المقيم كرم مطاوع قبل منعها من العرض ، ويثير مسلسها اليوم في مصر جدلا واسعا لن ينتهي عن دور الفن في عملية التغيير الإجتماعي .
أعود إلى الفنان المسرحي عثمان جعفر النصيري ومسرحه : مجلس تأديب – مأساة الحلاج وماراصاد .
" ماساة الحلاج " أو قصة الحسين بن منصور " أبو المغيث " ، والذي كما قال عماد البايلي : نبي من الطراز الأول ، رسول وداعية من رتبة السوبر التي افتقدناها منذ زمن طويل ، وتمثل قصته صفحة عار في تاريخ التخلف العربي الأسود ، وكيف استطاعت جموع الماغوغية تحطيم نجم الفكر الأصيل بكل سفالة ووقاحة ، لا تختلف مأساة الحلاج عن مأساة المسيح كثيرا ، فالأثنين يشبه أحدهم الآخر بدرجة كبيرة ، وكان الإختلاف الوحيد فيما بينهما هو الزمان والمكان وتفاصيل درامية أخرى متواضعة تدفعنا للقول بأن الحلاج هو المسيح الثاني !!!
إنني لن أنسى ما حييت مشهد صلب الحلاج بعد محاكمته العبثية في نهاية المسرحية ، عندما سالت دموع الجمهور السوداني كما كانت تسيل دموعي في كل يوم عرض للمسرحية حزنا على ذلك الصوفي المحب العاشق الصادق القوي الذي قتلته مجموعة من الأفاكين المحتالين ، وما زلت أحفظ عن ظهر قلب ما كنا نردده ككورس :
صَفُّونا.. صفاً.. صفاً،الأجهرُ صوتاً والأطول، وضعوه فى الصَّفِّ الأول، ذو الصوت الخافت والمتوانى، وضعوه فى الصف الثانى، أعطوا كُلاً منا ديناراً من ذهب قانى، برَّاقا لم تلمسه كفٌ من قبل، قالوا: صيحوا.. زنديقٌ كافر، صحنا: زنديقٌ.. كافر، قالوا: صيحوا، فليُقتل إنَّا نحمل دمه فى رقبتنا، فليُقتل إنا نحمل دمه فى رقبتنا، قالوا: امضو فمضينا، الأجهرُ صوتاً والأطول، يمضى فى الصَّفِّ الأول، ذو الصوت الخافت والمتوانى، يمضى فى الصَّفِّ الثانى .
كأنما كان النصيري يتنبأ بإعدام كوكبة من أروع السودانيين : عبدالخالق محجوب ، الشفيع أحمد الشيخ ، بابكر النور ، هاشم العطا وجوزيف قرنق وآخرين ، وأيضا كان يتنبأ بإعدام محمود محمد طه وهو في عامه السبعين !!!!!
تلك كانت رسالة النصيري من خلال مسرحية مأساة الحلاج ، المسرح داخل المسرح – برتولد بريخت – أو المسرح الملحمي او كسر الحائط الرابع ، أو مسرح الوعي والفهم والإدراك ، وكرر نفس الشيء في مسرحية ماراصاد ومحمود فيما بعد .
النصيري قالها عام 1969 أن قصة الحلاج لن تموت ، وما دام هناك من يدعي أنه يحتكر حب الله والحديث بإسم الله سيصلب ألف حلاج
وانا مثل النصيري أحب الحلاج ومارا ومحمود والحسين أيضا !!!!
ماراصاد
شاهدت مسرحية ماراصاد أيام المسرح الجامعي ، وشاهدتها عندما قدمها النصيري من على خشبة المسرح القومي بأم درمان عام 1970 ، وشاهدتها في القاهرة عندما أخرجها الفنان الكبير نور الشريف ، وتعرفت على مترجمها ومعدها الفنان الكبير يسري خميس عندما عملت في العراق ودار حوار طويل بيني وبينه حول مسرحية ماراصاد ، وكان سعيدا جدا عندما عرف أننا قدمناها في السودان ، وحدثته عن النصيري ، المسرحية باختصار تتناول الصراع بين الحرية الفردية والحرية الإجتماعية ومدى التعارض بينهما من خلال شخصية مارا الذي يسعى لتوفير الحرية الإجتماعية وشخصية صاد الذي يشجع الحرية الفردية التي تضر بالآخرين ، وكم كان النصيري رائعا في إخراجه لتلك المسرحية .
ذلكم هو المسرحي د. عثمان جعفر النصيري .
وبعد أليس من حقي أن أقول أن المسرح السوداني قد إفتقده ؟؟
badreldin ali [badreldinali@hotmail.com]

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




الخميس، 9 فبراير 2017

عبدالله الطيب مسرحي من طراز آخر
بقلم : بدرالدين حسن علي
لا أريد ان ادخل في جدل حول حقيقة أن عبدالله الطيب شخصية قومية وموسوعة ناطقة في اللغة العربية ، يتمتع بكثير جدا من الأصالة والبلاغة والحضور الواضح المتميز ، وأن أكثر ما يؤلمني اليوم عدم تكريم أفذاذنا ، وإذا حدث فيكون بعد رحيلهم !
كان خالي الفكي عبد الرحمن يحب كثيرا الدكتور أحمد الطيب أحمد أهم رائد من رواد فن المسرح ، وكان دائما ما يحكي لي عن الدكتور البروفيسور عبدالله الطيب وعن أفضاله لأبناء السودان قاطبة ، وكنت مأخوذا بحكاياته عنهما التي لا تخلو من خفة الدم والكوميديا المسرحية ، وقد جذبتني مسرحيات عبدالله الطيب :
- زواج السمر.
2- نكبة البرامكة.
3- الغرام المكنون.
4- قيام الساعة.
5- مشروع السدرة.
وقلت للفكي وأنا طالب في الثانوية لماذا لا تهتمون بمسرحيات عبدالله الطيب بينما تهتمون بمسرحية " المك نمر " للعبادي ، قال لي هذا السؤال توجهه للمخرجين  المسرحيين من جيلك !
ظل السؤال يشغلني فحاولت أن أجد إجابة ، فوجدت نصوص مسرحيات عبدالله الطيب في مكتبة خالي ، فانتهزتها فرصة وبدأت قراءتها .
وجدت أن عبدالله الطيب مسكون بشعر الأقدمين ، نوع الشعر الصعب الذي يحتاج إلى شرح ، وربما يكون هذا أحد أسباب تردد المخرجين المسرحيين والإبتعاد عن مسرحياته ، بل رماه البعض بالجمود والتعلق بالقديم ، ولكن باعتقادي أن السبب الرئيسي يعود إلى عدم فهمنا الصحيح للمسرح ، وتعودنا على نمط مسرحي عفا عليه الزمن ، فقد أتيحت لي فرصة قراءة كثير من المسرحيات ذات اللغة الصعبة إستمتع بها الجمهور ، ولعل أقرب مثال مسرحيات وليام شكسبير ، وقد قرأت مسرحية حفل سمر لأجل خمسة حزيران للكاتب المسرحي السوري سعدالله ونوس التي أخرجها الفنان الراحل المقيم علي عبدالقيوم ، وكانت باللغة العربية الفصحى، أن المسرح يمتليء عن آخره بالجمهور ، بل يتفاعل مع الممثلين وكلمات المسرحية ، وهذا يعني أن المشكلة ليست في اللغة أو الشعر ، المشكلة في الفهم الخاطيء للمسرح .
عبدالله الطيب له العديد من المحاضرات يلقيها بخفة دم تدهشني ، ممثل بامتياز ، ولكن نوع الممثلين
 العباقرة ، وإن قلت راوي فذلك النوع من الرواة الذين يبحلق فيهم الجمهور ماخوذا بقدرتهم الفائقة في الإدهاش والتأثير .
رحمك الله يا عبدالله فأنت فنان مسرحي من طراز خاص ، وتبقى أستاذتا وأستاذ أجيال من السودانيين وغيرهم الذين يحبونك ، وأنت يا أنطون تشيخوف قد تساءلت هل الناس سيذكروننا بعد مائة عام ، وأقول لك نعم سنذكرك ونذكر امثال عبدالله الطيب ولو بعد ألف عام .  
عبدالله الطيب مسرحي من طراز آخر
بقلم : بدرالدين حسن علي
لا أريد ان ادخل في جدل حول حقيقة أن عبدالله الطيب شخصية قومية وموسوعة ناطقة في اللغة العربية ، يتمتع بكثير جدا من الأصالة والبلاغة والحضور الواضح المتميز ، وأن أكثر ما يؤلمني اليوم عدم تكريم أفذاذنا ، وإذا حدث فيكون بعد رحيلهم !
كان خالي الفكي عبد الرحمن يحب كثيرا الدكتور أحمد الطيب أحمد أهم رائد من رواد فن المسرح ، وكان دائما ما يحكي لي عن الدكتور البروفيسور عبدالله الطيب وعن أفضاله لأبناء السودان قاطبة ، وكنت مأخوذا بحكاياته عنهما التي لا تخلو من خفة الدم والكوميديا المسرحية ، وقد جذبتني مسرحيات عبدالله الطيب :
- زواج السمر.
2- نكبة البرامكة.
3- الغرام المكنون.
4- قيام الساعة.
5- مشروع السدرة.
وقلت للفكي وأنا طالب في الثانوية لماذا لا تهتمون بمسرحيات عبدالله الطيب بينما تهتمون بمسرحية " المك نمر " للعبادي ، قال لي هذا السؤال توجهه للمخرجين  المسرحيين من جيلك !
ظل السؤال يشغلني فحاولت أن أجد إجابة ، فوجدت نصوص مسرحيات عبدالله الطيب في مكتبة خالي ، فانتهزتها فرصة وبدأت قراءتها .
وجدت أن عبدالله الطيب مسكون بشعر الأقدمين ، نوع الشعر الصعب الذي يحتاج إلى شرح ، وربما يكون هذا أحد أسباب تردد المخرجين المسرحيين والإبتعاد عن مسرحياته ، بل رماه البعض بالجمود والتعلق بالقديم ، ولكن باعتقادي أن السبب الرئيسي يعود إلى عدم فهمنا الصحيح للمسرح ، وتعودنا على نمط مسرحي عفا عليه الزمن ، فقد أتيحت لي فرصة قراءة كثير من المسرحيات ذات اللغة الصعبة إستمتع بها الجمهور ، ولعل أقرب مثال مسرحيات وليام شكسبير ، وقد قرأت مسرحية حفل سمر لأجل خمسة حزيران للكاتب المسرحي السوري سعدالله ونوس التي أخرجها الفنان الراحل المقيم علي عبدالقيوم ، وكانت باللغة العربية الفصحى، أن المسرح يمتليء عن آخره بالجمهور ، بل يتفاعل مع الممثلين وكلمات المسرحية ، وهذا يعني أن المشكلة ليست في اللغة أو الشعر ، المشكلة في الفهم الخاطيء للمسرح .
عبدالله الطيب له العديد من المحاضرات يلقيها بخفة دم تدهشني ، ممثل بامتياز ، ولكن موع الممثلين
 العباقرة ، وإن قلت راوي فذلك النوع من الرواة الضين يبحلق فيهم الجمهور ماخوذا بقدرتهم الفائقة في الإدهاش والتأثير .
رحمك الله يا عبدالله فأنت فنان مسرحي من طراز خاص ، وتبقى أستاذتا وأستاذ أجيال من السودانيين وغيرهم الذين يحبونك ، وأنت يا أنطون تشيخوف قد تساءلت هل الناس سيذكروننا بعد مائة عام ، وأقول لك نعم سنذكرك ونذكر امثال عبدالله الطيب ولو بعد ألف عام .  

السينما العربية
السينما العربية تشهد، وحققت في شهادتها نجاحًا ملحوظًا في العديد من الأشرطة التي تناولت القضايا العربية الساخنة والمتزايدة سخونة اليوم كما القضية الفلسطينية،

إنما وللأسف الشديد، فإن هذه السينما نفسها عجزت حتى اليوم، وبعد مرور ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن عن تصوير أول فيلم عربي على يد فنانين مصريين من أصل إيطالي، على تثبيت شخصيتها العالمية، باستثناء بعض أعمال يوسف شاهين المرتبطة بجهة إنتاجية فرنسية، إلى بعض إنتاجات السينما التسجيلية والوثائقية التي سجلت حضورًا متميزًا ومتنوعًا في قليلها، بينما كثيرها يشارك في مهرجانات عالمية وبعدها يرفع على الرف كمادة أرشيفية ليس أكثر.

والواقع أن السينما، وما اصطلح على تسميته بالفن السابع، وأضيف «الساحر» مهرجان فني تتضافر فيه فنون شتى في نسيج متناغم يرتكز على صورة حية نابضة، لها جاذبيتها الخاصة وقدرتها المتفوقة على التعبير والتأثير، وبهذا التميز، كان من البديهي أن تنهض السينما العربية كفن مشوق يفتح آفاق رحبة للإبداع ويؤدي دورًا مؤثرًا له وقعه الكبير على جمهور كبير مختلف الأصول والمشارب.

منذ أواسط الخمسينيات وحتى الثمانينيات تمتع الجمهور العربي بما يسمى «أفلام الحقبة الذهبية»

إثبات لمبرر وجودها:

وكما السينما العالمية، واكب الفن السابع العربي منذ نشأته وحتى اليوم، كل ما شهدته المنطقة العربية من تطورات وأحداث بخيرها وشرها.

وإذا لم تكن غالبية الأشرطة المصورة على العمق المطلوب في تناول الأحداث، إنما ارتبطت في أكثر الأحيان بمقولة «الجمهور عايز كدة»، فإن الموضوعية تؤكد براعة صناع السينما العربية في صياغة لغة تعبيرية تتبلور في صورة حية ومبهرة، يعايشها الجمهور ويندمج مع أحداثها المتوالية. فهي تجمع بين الخيال والمتعة وتصوير الواقع والتعبير عن فكر يسعى إلى تبديل هذا الواقع، أو ينشد واقعًا أفضل.

وإذا كان الكثير من هذه الأفلام لم يبرأ من التركيز على نزعات شريرة أو الاتجاه إلى مخاطبة الغرائز وإظهار الطاغية واللص المزور كأبطال ما يفيد أن التعبير السينمائي القوي البلاغة على بساطته ذو حدين، والحد الأقوى،

أقله في السينما العربية يحث على احترام المبادئ ذو القيم الإنسانية، والحرص على حمايتها والدفاع عنها، ويزخر إنتاجها الكبير، منذ خمسينيات القرن الماضي وصولًا إلى تسعينياته، بكم كبير من الأشرطة يضم أعمالًا محفورة في الذاكرة، بكل مفردات اللغة السينمائية عن إدانة الشقاق والصراع والتناصر والنزاعات والحروب ومختلف صور العدوان والتعدي على كرامة الإنسان وامتهانها، أو يصور مختلف ألوان الجور والطغيان وغيرها من الانتهاكات والجرائم المنافية للإنسانية، بحيث تثبت السينما مبرر وجودها، شريكة مباشرة وفاعلة في التخفيف من وطأة هذه السلبيات المشينة واتقاء شرورها.

لكن الفعل السينمائي العربي فقد تأثيره في الظروف الراهنة عما كان عليه خلال ثلاثة عقود من القرن الماضي، وحيث منذ أواسط خمسينياته حتى أواسط ثمانينياته تمتع الجمهور العربي بسلسلة أفلام حققت الحقبة الذهبية للسينما العربية على تعدد جنسياته، ما يجعل طرح السؤال منطقيًا: هل ساهمت الأحداث العربية الكبرى في هذه المرحلة في خلق سينما مماثلة مرافقة للتبدلات والتحولات؟ وهل أن ما تتعرض له المنطقة الراهنة لم يعد يشكل حافز إبداع، ليس في الفن السابع وحسب، إنما في كل مجالات الفن من الرواية إلى القصة فالشعر والتشكيل وصولًا إلى الأغنية والموسيقى؟

والسؤال المرتبط حديثًا يرتبط أيضًا بالمبدعين الذين باتوا في أكثريتهم خارج الستارة ليحظى الطارئون والدخلاء بالوهج الإعلامي.

القضية الفلسطينية: خارج الاهتمام الإبداعي

ويبدو أن الأسئلة تزداد إلحاحًا مع تراجع السينمات العربية عن متابعة الأحداث الخطيرة التي تعيشها المنطقة راهنًا، أكان ذلك على الصعيد الوطني أم على الصعيد القومي، لكن القضية الفلسطينية خرجت من دائرة الاهتمام الإبداعي إلى الخبر التليفزيوني وما يليه من حوارات ضيقة بين حلفاء وأضداد، وحيث في مرات كثيرة إن لم يكن دائمًا يحاول المحاورون إبراز إبداعهم الجدلي والنقاشي على حساب قدسية القضية وعدالتها.

ومثل فلسطين، كذلك يجري التعاطي مع مختلف القضايا العربية السابقة والآنية حتى لا نقول المستقبلية طالما أن السينما هي لسان حال بطريقة أو بأخرى، خطاب الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تحيا فيه. ولما كان هذا المثلث العربي في وضع من الفوضى والإرباك والميوعة كما لم يحصل من قبل، فمن البديهي أن تعاني الشاشة العربية العريضة من الأزمات نفسها، وهي حادة شرسة تنبئ بزيادة التقهقر والانحطاط.

ورب استعادة ولو مختصرة لبعض الأفلام العربية في أيامها الذهبية تكشف بين ما يجري تصويره حاليًا من أشرطة مستوردة من واقع أو مجتمعات غريبة لا شأن لها بالواقع العربي، ومن استنساخ لأفلام غربية، أمريكية تحديدًا، على اعتبار أن الأنماط الأمريكية الإبداعية ثقافيًا، تسود العالم،

وبين ما أسس لسينما عربية واقعية وملتزمة وطنيًا وقوميًا، تبدو رائعة المخرج العربي الأمريكي مصطفى العقاد «عمر المختار» في مقدمة الأشرطة التي تناولت المجاهد الليبي عمر المختار ومقاومته للاحتلال الإيطالي حتى اللحظة الأخيرة من حياته، وذلك في ملحمة أنطوني كوين بدور المجاهد الليبي، ومعه ثلاثة هوليوديين كبار: رود ستايفر برو موسوليني، أوليفر ريد بدور القائد الإيطالي، وإيرين باباس زوجة عمر المختار، والكل جسد دوره بمقاييس حقيقية للشخصية ووفق أحداث حقيقية نقلها العقاد إلى الشاشة في صورة راقية ومؤثرة.

ومثله أيضًا، من الشاشة المصرية وإنتاج لبناني، شريط «ناجي العلي»، رسام الكاريكاتور الفلسطيني الشاب الذي دفع حياته ثمنًا لرسوماته البارعة والقاسية من خلال شخصية «حنظلة» التي تدين الإرهاب «الإسرائيلي» وممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

وناجي العلي بكاميرا المخرج المصري عاطف الطيب وتجسيد نور الشريف، هو أيضًا ملحمة بطولية، إنما بالفكر والريشة الساخرة والنافذة، ما يؤكد أن العدوان «الإسرائيلي» يطول أيضًا الثقافة الفلسطينية العربية، وقد أضاء عليه عاطف الطيب، مستخرجًا من بساطة العلي ومعايشته ناسه الفقراء والكادحين والمقاومين، عملاقًا جعل من ريشته سلاحًا نافذًا أو قاتلًا ومؤثرًا إلى حد اغتياله على أيدي الموساد «الإسرائيلي» في لندن.

ومن أستديوهات السينما المصرية يخرج شريط جميلة الجزائرية أو «جميلة بوحريد» للمخرج يوسف شاهين من إنتاج 1958، وفيه يتطرق المخرج العبقري إلى إقرار القانون الدولي الإنساني مقاومة الاحتلال، ويحظر على الأطراف المتصارعة انتهاك كرامة المعتقلين وتعذيبهم وحبسهم في مبانٍ لا يدخلها النور وحرمانهم من الماء، وهتك حرمة النساء مطالبًا بمحاكمات عادلة وأحكام مخففة (أليس هذا ما يجري اليوم في فلسطين والعراق وغواتانامو الأمريكية …) وما ينتهك بشكل صارخ، كما يرينا فيلم جميلة، وهي شابة جزائرية تلتحق بالمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي وتشارك في عملياتها، إلى أن تجرح في كمين وتؤسر، وتقيد في قبو مظلم، تعذب بوحشية وتحرم من الماء

وعلى الرغم من كل هذه العذابات والضغوطات ترفض الإذعان لجلاديها بالكشف عن زملائها، فتقدم إلى محاكمة جائرة حيث يتقدم أحد المحامين الفرنسيين تهزه قضيتها للدفاع عنها.

أضرار جسيمة:

وفي «صراع الأبطال» للمخرج توفيق صالح وسيناريو وحوار المخرج عز الدين ذو الفقار، ننتقل إلى العام 1948، في إحدى القرى المصرية، حيث سيدة إقطاعية ممالئة للمحتلين الإنكليز تتحكم بأهالي القرية، تجبرهم على العمل لديها، يكتشف البطل إصابات بالكوليرا ويحاول مقاومته، تعرقل السيدة وأنصارها جهوده لوقف الوباء، لكنه ينجح بمعونة المتطوعين وحبيبته الممرضة (سميرة أحمد) التي تعود إليه بعد أن فرقتهما الأحداث،

ومن خلال هذه الأحداث، يكشف الشريط ما يشترطه القانون الدولي الإنساني من صيانة الصحة العامة بالمواطنين في كل من فلسطين المحتلة والعراق وأفغانستان من جراء قصف المستشفيات وقطع الطرقات وفشل مئات المرضى، بين شيوخ ونساء وأطفال في الوصول إلى طبيب أو عيادة أو مستشفى، وحيث الأكثرية تدفع حياتها ثمنًا لإرهاب الأقوياء؟

ودائمًا تتوجه السينما إلى القانون والإنساني الذي ينص على احترام حقوق الإنسان وحمايتها وحرياته وممتلكاته، وحيث يصور لنا فيلم «المماليك» للمخرج عاطف سالم عن قصة فيروز عبد الملك وسيناريو عبد الحي أديب وحوار محمد مصطفى سامي، إلام يؤدي انتهاك هذه الشروط من قبل المحتل، من خلال مملوك من الشراكسة يقفز إلى حكم مصر، فيستبد بالبلاد وأحرارها، ويمتهن كرامتهم ويعتدي على أرواحهم وممتلكاتهم ويتجاوز بظلمه كل الحدود؟

أمام هذه الأوضاع المزرية، يقرر الأهالي تنظيم مقاومة شعبية تتشارك فيها مختلف فئاتهم، ونحزن للحبيبين أحمد (عمر الشريف) وقمر (نبيلة عبيد) على حجم العذابات التي يلقيانها بعد اعتقالهما، لكنهما يصران على المعركة ومواجهة الأعداء.

ويرينا الشريط المصري «السوق السوداء» الذي يعود تاريخ إنتاجه للعام 1945 «شهادة على ملائمة السينما مجتمعاتها»، عن قصة وسيناريو وحوار كامل التلمساني ومن إخراجه، كيف يدفع جشع التجار ورجال الأعمال والأثرياء، وفي واحد من أحياء القاهرة خلال الحرب العالمية الثانية، إلى إخفاء المواد التموينية ليستغلوا حاجة الناس إليها، ليبيعوها في السوق السوداء، الأمر الذي استنكره أحد العمال وأحد الموظفين المثقفين، فيعملان على فضح هؤلاء التجار ويتصديان لهم لتوفير الأغذية وتخفيف المعاناة عن الأهالي، تبعًا لحرص القانون الدولي على وصول المؤن والمواد الغذائية إلى المدنيين أثناء الحروب، ويحظر منعها عنهم لأي سبب كان.

وما ينطبق على الجشع الفردي يصبح أكثر بشاعة حين تصبح الجهة المعتدية إن لم تكن أكثر خطرًا في بدايات الألفية الثالثة، وحيث الاحتكار يأخذ أخطر أحجامه من خلال النظام الأقوى والمهيمن.

ومن لبنان، المخرج الشاب مارون بغدادي الذي لقي حتفه في حادث مريب أثناء عودته من باريس إلى بيروت، تحضيرًا لشريط جديد، يتناول فيه «حروب صغيرة» قضية عالمية وخطيرة من خلال أحداق لبنان الأليمة، مدينًا التمييز على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد، وهي أسباب يتأكد يومًا بعد يوم أنها في مقدمة الحروب الأهلية حيث ينتهك الإنسان وكرامته ويسود قانون الغاب،

ترفض ثريا الهجرة مع أهلها لتبقى مع طلال الذي يحبها وتحبه بعيدًا عن فارق الدين، يخطف والد طلال وتختفي أخته فيقرر الانتقام، في حين تحاول ثريا إنقاذه بكل الطرق مستعينة بالمصور الصحفي نبيل، لكن جميع محاولاتها تبوء بالفشل، وبذلك تقتل الحرب برغم الحب.

إلى السينما الفلسطينية، وتحديدًا في «عرس الجليل» ينقلنا المخرج ميشال خليفة في شريط كتب له أيضًا السيناريو والحوار إلى قرية فلسطينية فرض عليها حظر التجول ما يضطر مختار القرية إلى طلب تصريح من الحاكم العسكري «الإسرائيلي» لإقامة حفل زفاف صغير لابنه، لكن طلبه يرفض أولًا ثم يوافق الحاكم العسكري «الإسرائيلي» شرط حضوره مع جنوده، يرضخ المختار، ويحضر الجنود بمركباتهم وأسلحتهم وينتشرون بين المحتفلين، الأمر الذي يصيب العريس بالإحباط،

لكن عروسه تتفهم الأسباب فتواسيه وتتصرف بحكمة، وما أراد ميشال خليفة تصويره هو إبراز الإرهاب الصهيوني الفكري والنفسي والثقافي على سكان الأراضي المحتلة، على عكس ما نص عليه القانون الدولي الذي يحظر الإكراه المادي والمعنوي لسكان المناطق المحتلة ويعتبر أن احترام شعائرهم وعاداتهم وتقاليدهم هو حق لهم.

ومن الإنتاج السوري لعام 1992، يصور المخرج السوري محمد ملص في شريطه الساحر «الليل»، ولدًا يجمع من شتات ذاكرة أمه وإطلال مدينته سيرة أبيه المدفون فيها، وحيث تكشف الأحداث أن الوالد لم يمت في حربين تطوع فيهما لمقاومة الإنكليز و«الإسرائيليين»، لكنه مات في بلده مقهورًا مظلومًا قبل حرب ثالثة أدت إلى احتلال مدينة القنيطرة ونزوح أهلها وتدميرها، ويتمنى الابن لو أن أباه مات بشكل مغاير وهو يدافع عن مدينته .

ولا يغفل ملص من خلال حوار متقن الرموز كما المشاهد والصور إلى إدانة الاحتلال الذي يعمل على تدمير الممتلكات عمدًا وبث الذعر بين المدنيين وإجبارهم على النزوح، وما يوجب بالتالي ملاحقة ومحاكمة مقترفيها والآمرين بها ومعاقبتهم.

والإنتاج الليبي لم يغب عن «ذهبيات» السينما العربية الملتزمة، ففي العام 1986، التقط المخرج محمد علي الفرجاني قصة الأديب والمفكر الكبير إبراهيم الكوني، وبالتعاون مع عبد السلام المدني وضع سيناريو وحوار شريط «الشظية» الذي يعرض مثالًا حيًا لآثار الألغام المدمرة من الصحراء الليبية، فقد سالم زوجته أثر انفجار لغم أودى بحياتها وبأغنامه، فعمل حطابًا ليعيل أطفاله، يلتقي البهلول الذي قتل عريس حبيبته وفر.

ينقذه من العطش ثم من الموت بلغم، يهبط الليل وتحاصرهما الذئاب، فيتأخر سالم، يخرج بعض الفرسان بحثًا عنه، فيقتلون أيضًا في حقل الألغام، كما يفشل سالم في التخلص من لغم يقضي عليه ومعه البهلول وكما هدف الفرجاني إليه وما كشفت عنه أحداث «الشظية» حيث يبدو بوضوح حجم المآسي التي تصيب الإنسان من جراء إنتاج الألغام وتخزينها وزرعها، وحيث تستمر قتلًا حتى بعد وقف الحرب بين الأعداء.

وتقدم السينما الجزائرية ثلاثة من أهم الأفلام العربية التي تفاعلت مع قضايا المقاومة والتحرير والحقوق الإنسانية التي كفلتها الشرعية الدولية، وهكذا في شريط «رياح الأوراس»، لم يقتصر المخرج محمد الأخضر حمينة ومعه توفيق فارس للسيناريو والحوار، على تصوير جانب من مآسي الحرب، بل يقدم شهادة أمينة على العذابات والآلام التي يسعى القانون الدولي إلى تخفيفها في نصه على ضرورة إخطار عائلات الأسرى والمعتقلين بأماكنهم وأحوالهم وتيسير المراسلات معهم، وذلك من خلال امرأة قتل زوجها في هجوم للمحتلين ثم اعتقل وحيدها في مكان مجهول،

فغضّنت الأيام وجهها وهي تنتقل بين المعتقلات والمعسكرات باحثة عنه حتى قادتها غريزتها وإصرارها إلى معسكر معزول ظلت تحوم حوله أيامًا وليالي إلى أن التقت ابنها في وضع يائس وراء الأسلاك الشائكة.

ويأتي المخرج محمد سليم رياض ليكشف في شريط «الطريق» أحد المعسكرات التي حشرت فيها قوات الاحتلال مئات ألوف الجزائريين المطالبين بالاستقلال وأنصار «جبهة التحرير الوطني». ففي هذا المعسكر، يسعى المعتقلون لتحسين شروط اعتقالهم فيعمدون إلى تنظيم برنامج للتوعية ومحو الأمية، يواجهون الإهانة والعنف بالإضراب عن الطعام، تفشل محاولاتهم الهرب فيدفعون الثمن بمزيد من عمليات التعذيب والسجن الانفرادي، لكن شيئًا لا يثني إرادتهم عن انتزاع حقهم في تحسين أحوالهم الصحية والذهنية والمعنوية وفي الاتصال بأهلهم وإخوانهم.

ومن إخراج الفرنسي جاك شاربي تنتج السينما الجزائرية فيلم «سلم حديث العهد» وفيه يعالج كيف يمكن للحرب أن تصادر أحلام المستقبل، فتيتم الأطفال وتشردهم لتجعل العنف لعبتهم المفضلة.

تدور أحداث «سلم حديث العهد» في الجزائر أثر استقلالها: أطفال أودعوا في دارين لأبناء الشهداء يشكلون مجموعتين متنافستين في لعبة الحرب، إحداهما تمثل «جبهة التحرير الوطني» والأخرى «منظمة الجيش السري» لكن اللعبة تختلط بالجد وتنتهي بمأساة.

لقد شكلت مثل هذه الأفلام بأجناسها العربية المختلفة ما يمكن اعتباره تحية للمقاومة والتحرير كما للقوانين الدولية الإنسانية التي تحرم الاحتلال وتحث على حرية الشعوب، وبذلك أدت هذه السينمات واجبها وحققت أهدافها، ليست التسلية وحسب، وهي ضرورة سينمائية لا خلاف عليها، إنما أيضًا في معايشة قضايا مجتمعاتها الساخنة، الوطنية والتربوية والأخلاقية، ما يؤكد أن الفن السابع هو ابن مجتمعه .

صورة ناطقة عن معاناة ناسه وأزماته وأحلامه وطموحاته، على عكس ما تصوره أفلام اليوم، خصوصًا المصرية، على اعتبار وفاة أو شبه وفاة السينمات العربية الأخرى التي باتت تكتفي بالأشرطة التسجيلية، التي تدفع إلى المهرجانات لتستحق جائزة هنا وأخرى هناك، بينما يلقيها أصحاب الصالات وشركات التوزيع وشاشات التليفزيون على الرفوف، طالما أنها لا تلبي حاجة السوق والجمهور.


هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست