ذكرياتي في المسرح
بقلم : بدرالدين حسن علي
من أجمل ذكرياتي في المسرح السنوات القليلة التي قضيتها أستاذا في معهد الموسيقى والمسرح ، كنت أصلا طالبا فيه " الدفعة الثانية " ومن
زملائي :الطيب المهدي ، عزالدين هلالي ، نعمات عبدالرحيم صبحي ، ابراهيم أحمد بخيت ، عمر الطيب الدوس ، ، سيد احمد الطاهر ، عبدالعظيم كباشي وعبدالحفيظ احمد ،
وبعد أن أنهيت دراستي بالمعهد تم تعييني مدرسا وترشيحي لمنحة دراسية في جمهورية المانيا الديمقراطية سابقا ، وفي عام 1975 تم فصلي من المعهد وعدم قبول تغاوني مع المسرح القومي والإذاعة والتلفزيون والصحافة ،
كنت في ذلك الوقت أقوم بإخراج مسرحية " حكابة تحت الشمس السخنة" لمؤلفها صلاح حسن أخمد ، كان ذلك في عهد جعفر نميري بحطاب بتوقيع بونا ملوال وكان وزير دولة بالإعلام ، وكان المعهد أيامها تابعا لوزارة الإعلام ، وكان الكاتب المسرحي حمدنالله عبدالقادر منتدبا من الوزارة عميدا للمعهد .
كنت أقوم بتدريس مادة نظريات التمثيل للصف الأول ومادة تاريخ المسرح للصف الرابع ، وفي مادة نظريات التمثيل كان كثيرا ما أرجع لكتاب " إعداد الممثل ، لمؤلفه قسطنطين ستانسلافسكي
كتاب إعداد الممثل من الكتب التي أعتز بها كثيرا ،قرأته بنسخته العربية إصدار دار المعارف
وأذكر جيدا أن هذا الكتاب قد غيٌر بالفعل العديد والعديد من المفاهيم الخاطئة و فسر لى بعضا من المفاهيم التى توصلت لها بالفطرة دون معرفة تفسير لها أو مُسبب
وإلى اليوم وبعد مضي أربعين عاما ما زال كتابي المفضل في فن المسرح .
لكي يتم نضج طالب التمثيل ويصل إلى المستوى الفني الرفيع لابد من التزود بالثقافة النظرية بالإضافة إلى التطبيقات العملية.
فكثيرا ما يحدث على المسرح أن يطابق الدور للممثل الذي يؤديه ولكن ذلك الأداء يظل أقل من المطلوب ، وإذا بحثنا عن السبب سيتضح لنا أن الممثل ليس في حالة تسمح له بالارتفاع إلى المستوى الفكري الذي تتطلبه المسرحية والشخصية التي يجسدها، وعلى الممثل الذي يريد أن يبدع شخصية تحمل مضمونا فكريا عميقا أن يكون على المستوى الفكري لتلك الشخصية.
فالممثل الذي لا يبالي بالمواد النظرية من فلسفة وعلم جمال وعلم نفس وثقافة فنية واجتماعية وسياسية فإنه في الحقيقة يحد من إمكانياته الإبداعية.
وعلى الممثل المسرحي أن يكون نموذجا يحتذى، ومعلما للجمهور لأن المنصة التي يقف عليها هي مدرسة للجمهور.
ولابد للممثل أن يكون على اطلاع واسع على المذاهب والمدارس المسرحية، لذا فإن المواد النظرية ستساعده وتمده بذخيرة وافية ولكن في سير عملية الإعداد الفني لابد من منهج واضح يطبقه ليصل به إلى مرحلة النضوج.
ويعتبر منهج ستانسلافسكي من انجح المناهج في إعداد الممثل لأنه يعتمد على وحدة الفعل النفسي والجسدي وعلى الكشف عن الهدف الأعلى للعرض المسرحي.
في مرة من المرات طلبت من طلاي المعهد أن يصيغو مسرحية من قصة " موت موظف " للكاتب المسرحي
الكبير " أنطون تشيخوف " ، كانت تجربة ممتغة ورائعة تفاعل معها الطلاب بإبداع وكشفت عن إمكانياتهم التمثيلية
لقد ظهر الكثير من المناهج التي حاولت أن تعطي صيغة جديدة إلا أنها لم تخرج عن نطاق منهج ستانسلافسكي. ومنهج ستانسلافسكي يتضمن البنود التالية:
1ـ الفعل المسرحي.
2ـ الخيال.
3ـ تركيز الانتباه.
4ـ الاسترخاء.
5ـ الوحدات والأهداف.
6ـ الإيمان والإحساس بالصدق.
7ـ الذاكرة الانفعالية.
8ـ الاتصال الوجداني بين الممثلين.
9ـ التكيف.
10ـ القوى المحركة الداخلية.
11ـ خط الفعل المتصل.
12ـ حالة الإبداع.
13ـ الهدف الأعلى.
14ـ العقل الباطن.
هناك مقولة شهيرة لإستانسلافسكي : من اليسير أ ن تمثل ولكن من العسير جدا أن تمثل ، ولكي نفهم معنى هذا سأشرح بعض ما ورد في الكتاب
1ـ الفعل المسرحي:
إن كل شيء يحدث على خشبة المسرح لابد أن يحدث لغرض ما، حتى احتفاظ الممثل بمقعده لابد أن يكون لغرض. ولغرض معين، وليس لمجرد الغرض العام من وجوب أن يكون على مرأى من المشاهدين.. إن الممثل يجب أن يدرك سبب وقوفه أو حقه في أن يقف فوق المنصة وليس هذا بالأمر السهل.
لا يمكن أن يحدث على خشبة المسرح وتحت أي ظرف من الظروف أي فعل يقصد به الممثل أن يثير في الحال إحساساً ما وليس من أجل هدف معين.
فعلى الممثل أن يتجنب أن يبدو غيورا ومحبا أو معذبا من أجل هذه المشاعر ومن أجلها فحسب.
إن أي فعل لا يستند إلى إحساس داخلي هو فعل لا يستدعي الانتباه، وإن أي فعل على خشبة المسرح لابد له ما يبرره تبريرا داخليا ولابد أن يكون فعلا منطقيا ومتصلا ببعضه اتصالا معقولا وواقعيا.
وإن استعمال كلمة (إذا) أو (لو) تعمل كرافعة تخرج بنا من العالم الواقعي إلى عالم الخيال. إنها كلمة سحرية تشحن المشاعر والخيال والسر فيها أنها لا تفرض بل تقترح.
فمثلا إذا وضعنا قلما في يد الممثل وقلنا له إن هذا ليس قلما؛ بل ثعبانا فإنه لن يصدق أما إذا قلنا له : إنه (لو) كان في يدك ثعبان ماذا ستفعل؟ سنرى في الحال أنه سيسحب يده خوفا.
2ـ الخيال:
يجب على الممثل ألا يتخيل الأشياء دون أن يكون له هدف وراء هذا التخيل، ومن أهم الأخطاء التي يمكن أن يقع بها الممثل هو أن يجبر خياله ويكرهه بدلا من أن يروضه ويلاطفه.
إن كل اختراع يقوم به خيال الممثل يجب أن يسبقه تفكير طويل في تفاصيله وأن يبني على أساس من الحقائق، بحيث يستطيع الممثل أن يجد فيه الإجابة على الأسئلة التي يوجهها إلى نفسه (متى وأين ولماذا وكيف) لكي يضع صورة أكثر تجديدا لكيان متوهم. وهو في بعض الأحيان لا يحتاج إلى كل هذا المجهود من المجهودات الذهنية الشعورية لأن خياله قد يعمل بالنظرة وبالبديهة، ولكن هذا لا يمكن الاعتماد عليه لأن التخيل بصورة إجمالية ومن غير أن يقوم على مشروع محدد تحديدا جيدا ويفكر فيه الممثل تفكيرا طويلا هو عمل عقيم!
هذا من جهة ومن جهة أخرى، إن أي تناول صادر عن وعي وتفكير منطقي لموضوع الخيال كثيرا ما يعطي للحياة صورة زائفة لا حرارة فيها.
وهذا شيء لا ينفعنا في المسرح لأن فننا يتطلب من الممثل أن يندمج بكل طبيعته اندماجا إيجابيا فيما يقوم به وأن يكرس نفسه كلها جسدا وروحا للدور الذي يؤديه لأنه لابد ان يحس بالدافع أو المادة ليستطيع بطريقة انعكاسية أن يؤثر في طبيعتنا الجسدية ويدفعها إلى العمل.
وهذه الملكة ذات أهمية عظمى في مهارتنا الفنية العاطفية ، من أجل هذا كانت كل حركة نقوم بها على خشبة المسرح وكل كلمة ينطق بها هي نتيجة للحياة الصحيحة لخيالنا.
وإذا كان الممثل يلقي أي كلام أو يفعل أي شيء بطريقة آلية وبغير أن يكون واعيا وعيا كاملا بمن يكون ومن أين أتى ولماذا وأي شيء يريد؟ وإلى أين يذهب وأي شيء يصنع إذا ذهب كان يمثل بدون أن يصدر عن أي خيال، وكان الوقت الذي يستغرقه على المسرح طال أو قصر وقتا غير واقعي. ولم يزد عن كونه آلة تتحرك وإنسانا آليا وإذا سئل هذا السؤال المتناهي في البساطة: هل الجو بارد في الخارج اليوم؟
فينبغي قبل أن يجيب (بنعم) أو (لا) أو إنني لم ألاحظ؛ أن يعود بخياله إلى الشارع ويتذكر كيف مشي أو ركب.. إلخ.
إنه لابد أن يختبر إحساسه بأن يتذكر ماذا كان الناس الذين قابلهم يلبسون والطريقة التي كانوا يمشون بها، وكيف كان الجليد ينسحق تحت أقدامهم، وبعد ذلك يستطيع أن يجيب على السؤال.
أذكر في إمتحان القبول لمعهد الموسيقى والمسرح طرح علي أحد أعضاء اللجنة سؤالا : كم عدد " الزرار " في قميصك ؟ لم أكن أعرف ، ولكني إستخدمت خيالي وقلت سبعة ، وكانت إجابة
صحيحة ،فسألني كيف عرفت ؟ قلت له إنه ستانسلافسكي فضحكنا جميعا !!!!!
3ـ تركيز الانتباه:
إننا في الحياة العادية نمشي ونجلس ونتكلم وننظر ولكننا على خشبة المسرح نفقد كل هذه الملكات.. إننا نشعر باقتراب الجمهور منا ونتساءل:
لماذا ينظر هؤلاء إلينا؟ ومن ثم يجب أن نتعلم من جديد كيف نقوم بكل هذه الأشياء أمام الجمهور.
إن جميع الأفعال التي نقوم بها وحتى أبسطها، وهي الأفعال المألوفة لنا غاية الألفة في حياتنا اليومية تغدو عسيرة عندما تظهر خلف الأضواء وأمام جمهور مكون من ألف مشاهد. وهذا هو السبب الذي كان من أجله ضروريا لنا أن نصحح أنفسنا، وأن نتعلم من جديد كيف نمشي وكيف نتحرك وكيف نجلس ونرقد.
إن اللسان الثرثار أو الأيدي والأرجل التي تتحرك بطريقة آلية على خشبة المسرح لا يمكن أن تحل محل العين المدركة.. إن عين الممثل التي تنظر إلى الشيء وتراه وتجذب انتباه المشاهدين وتستطيع بذلك أن تكون علامة تحدد له ما ينبغي أن ينظر إليه. أما العين الفارغة فعلى العكس من ذلك تشتت انتباه المشاهد وتصرفه عن خشبة المسرح.
إن الممثل على خشبة المسرح إما أن يعيش داخل نفسه أو خارجها، إنه يعيش حياة واقعية أو حياة متخيلة. وهذه الحياة المعنوية تقدم موردا لا ينضب من مادة التركيز الداخلي لانتباهنا. والصعوبة في استخدام هذه المادة إنما تنحصر في أنها مادة هشة غير متماسكة. إن الأشياء المادية التي تحيط بنا على خشبة المسرح تحتاج إلى انتباه مدرب. أما الأشياء المتخيلة فهي تتطلب قوة من التركيز أكثر تنظيما مما تتطلبه الأشياء المادية.
إن للتركيز الداخلي أهمية خاصة بالقياس إلى الممثل وذلك لأن جزءا كبيرا من حياته يقع في نطاق ظروف متخيلة.
ولتدريب التركيز يمكن للمثل إن يقوم بهذا التمرين مساء
(عندما يذهب إلى السرير ويطفئ نور الحجرة يحاول أن يستعيد ما حدث في يومه كله ويحاول أن يسجل كل جزئية ملموسة وممكنة ، فإذا كان يستعيد تذكر وجبة غداء فهو يكتفي باستذكار الطعام فحسب، ولكن ينبعي أن يستعيد رؤية الأطباق التي قدمت إليه، وكيف كان ترتيبها العام، ويستعيد كل الأفكار والانفعالات الداخلية التي تضمنتها أحاديثه على المائدة، ويجتهد في أن يعاين بالتفصيل الأماكن المختلفة التي مشي فيها أو شرب فيها شايا، ثم ليتخيل جميع الأشياء الفردية المتصلة بألوان نشاطه ويحاول أيضا أن يتذكر بقدر ما يستطيع من وضوح أصدقائه والغرباء عنه وغيرهم ممن مروا به..إلخ)
كيف يتعلم غير القادرين على الملاحظة إلقاء البال إلى ما حولهم؟
إن أول شيء بالنسبة لهؤلاء هو أن يتعلموا النظر إلى الأشياء والإصغاء إليها والاستماع إلى ما هو جميل. فأمثال هذه العادات تتسامى بعقولهم وتثير مشاعرهم التي سوف تترك آثارا عميقة في ذاكرتهم الانفعالية.
إن الحياة ليس فيها ما هو أجمل من الطبيعة، ومن المجدي حقا أن تكون الطبيعة موضوع الملاحظة الدائمة. فإذا أخذنا زهرة صغيرة أو وريقة من وريقاتها أو رسما تركه الجليد على زجاج النافذة، ثم حاولنا أن نعبر في كلمات عن الأسباب التي من اجلها تبعث هذه الأشياء السرور في النفس، رأينا أن مثل هذا المجهود سوف يجعلنا نلاحظ الشيء الذي نراه عن كثب وبإمعان أشد لكي نتمكن من تذوقه وتحديد صفاته.
ثم علينا الانتقال إلى المادة الانفعالية التي هي أكثر الأشياء أهمية وأشدها ضرورة وأوفرها حياة والتي يقوم عليها معظم إبداعنا الفني وهي تلك الانطباعات التي نحصل عليها، لأنها في معظمها تكون مختلطة وغير محددة ولا يمكن إدراكها إدراكا باطنيا ولا شك أن كثيرا من تجاربنا الروحية غير المرئية تنعكس في ملامح وجوهنا وفي أعيننا وفي صوتنا وكلامنا وإشاراتنا. ولكن ليس من السهل علينا على الرغم من كونها كذلك أن ندرك أعماق غيرنا. وذلك لأن الناس في كثير من الأحيان لا يفتحون أبواب نفوسهم، ولا يسمحون لغيرهم بأن يروها على حقيقتها.
وعندما تتضح لنا الحياة الداخلية للشخص الذي هو موضوع ملاحظاتنا عن طريق أفعاله وأفكاره ودوافعه علينا أن نتتبع أفعاله عن كثب، وأن ندرس الظروف التي يجد نفسه فيها ولنسأل أنفسنا لماذا يفعل هذا وذاك، وماذا كان يتردد في نفسه؟
4ـ استرخاء العضلات:
لكي نثبت مدى ما يصيب التوتر العضلي إبداعنا بالشلل وبأنه مرتبط بحياتنا الداخلية، نقوم بالتجربة التالية: لنحاول أن نرفع ثقلا ما وليكن وزنه أقصى ما تحتمله طاقتنا وبنفس الوقت لنحاول أن نصف مشهدا معينا أو أن نغني أغنينة ما، لنحاول أن نتذكر طعم أكلة معينة أو لمس نسيج من الحرير أو رائحة شيء يحترق.
إننا سنرى أن لكي نستطيع تطبيق كل ذلك لابد أن ندع ذلك الثقل وبعد ذلك يمكننا أن نكرس أنفسنا لعمل حواسنا الخمس.
لذلك علينا قبل أن نحاول القيام بعملية الإبداع أن نجعل عضلاتنا في حالتها الطبيعية حتى لا تعوق أفعالنا.
وليس التشنج العضلي العام وحده هو الذي يعرقل أداءنا لوظيفتنا أداء سليما؛ بل إن أي ضغط طفيف في لحظة ما قد يعطل عمل ملكة الإبداع.
إن الممثلين يضغطون على أعصابهم عادة في لحظات التهييج والاستثارة، لذلك كان ضروريا في اللحظات ذات الأهمية الكبيرة بصفة خاصة أن يحرروا عضلاتهم من التوتر تحريرا تاما.
5ـ الوحدات والأهداف:
سئل ربان سفينة كيف يتأتى له أن يتذكر ـ خلال رحلة طويلة ـ جميع التفاصيل الدقيقة لساحل من السواحل بمنحنياته وأجزائه القليلة الغور وشعبه الصخرية فأجاب قائلا ليس ألقي لها بالا؛ وإنما أنا التزم خطة سير معين لا أحيد عنه.
وهذا هو المسلك الذي يجب أن يسلكه الممثل إذ يجب أن يتقدم في طريقه غير حافل بالتفاصيل العديدة وإنما يكون احتفاله بتلك الوحدات الهامة التي تعيق خط سيره وكأنها الإشارات. وتجعله لا يحيد عن الاتجاه الإبداعي الصحيح.
ولو تعين علينا أن نمثل مشهد العودة إلى البيت على المسرح لوجب علينا أن نسأل السؤال التالي: أولا ما الذي أفعل؟ فيكون الجواب: (أنا ذاهب إلى بيتي) وهو المفتاح الذي يدلنا على هدفنا الرئيسي. على أن الممثل في طريقه قد توقف عددا من المرات، فقد توقف بلا حراك عند نقطة معينة وفعل شيئا آخر. ولذلك فإن النظر إلى واجهة المحل، يعتبر وحدة قائمة بذاتها، وعندما يواصل المسير إلى البيت يعود إلى الوحدة الأولى.
وأخيرا يصل إلى حجرته ويخلع ملابسه، فيكون ذلك العمل وحدة ثالثة، وعندما يستلقي في الفراش ويبدأ التفكير يكون ذلك وحدة رابعة، وبذلك نكون قد أنقصنا بمجموع وحداتنا إلى أربع وحدات، وهذه الوحدات تحدد لنا خط السير.
وهذه الوحدات الأربع هي التي يتألف منها هذا الهدف الواحد الكبير وهو العودة إلى البيت).
ولكن لنتذكر دائما أن التقسيم إجراء مؤقت إذ يجب ألا يبقى الدور والمسرحية مقسمين إلى أجزاء متناثرة. ونحن نعلم أن التمثال المحطم ـ مثله في ذلك كمثل اللوحة الممزقة ـ ليس عملا فنيا مهما بلغت أجزاؤه من الجمال.
إننا لا نستخدم الوحدات الصغيرة إلا في مرحلة إعداد الدور.
إن الهدف هو الذي يمنح الممثل الإيمان بحقه في الصعود إلى خشبة المسرح والبقاء عليها.
إننا نجد مالا نهاية له من الأهداف على خشبة المسرح ولكن ليست كلها أهداف ضرورية أو وحيدة، بل إن الكثير منها ضار في الواقع ويجب على الممثل أن يتعلم كيف يميز بين الغث والثمين منها، وكيف يتجنب الأهداف غير المجدية، وكيف يختار الأهداف الصحيحة حقا.
6ـ الإيمان والإحساس بالصدق:
لكي يتمن الممثل من بلوغ الصدق يجب عليه أن يستخدم أداة ترفعه إلى مستوى الحياة التخيلية وهناك يخلق لنفسه ظروفا متخيلة، إن تخيل ظروف معينة ملائمة يعينه على الخلق والإبداع.
إن الصدق على خشبة المسرح هو كل ما يمكن أن نؤمن به إيمانا حقيقيا من أفعال أو أقوال تصدر منا أو من زملائنا. إن الصدق والإيمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، إذ لا يمكن أن يوجد أحدهما دون وجود الثاني.
إن كل ما يحدث على المسرح يجب أن يكون مقنعا للمثل نفسه ولزملائه وللجمهور. يجب أن يولد الإيمان بأن كل ما يعانيه الممثل على المنصة من انفعالات ومشاعر يمكن أن يتحقق نظيره في الحياة الواقعية، ويجب أن تكون كل لحظة مشبعة بالإيمان والصدق والعاطفة التي يستشعرها الممثل وصدق ما يصدر عنه من أفعال.
7ـ الذاكرة الانفعالية:
الذاكرة الانفعالية هي قدرة الممثل على استعادة شعور انفعالي لموقف معين والفرق كبير بين أن يعيش الإنسان الشعور الانفعالي لأول مرة وبين أن يستعيد ذلك الشعور، ففي المرة الأولى يكون الشعور حارا وصادقا، أما عندما يستعيده فيكون خفيفا وذلك لأن الانفعال تخف حدته مع مرور الزمن وهذا حسن وإلا ظل من يعاني من عذاب فراق شخص معذبا طوال حياته وهكذا.
لذا فالممثل عندما يستعيد ذاكرته الانفعالية يجب أن يبعث فيها تلك الحرارة التي اتصف بها شعوره لأول مرة.
8ـ الاتصال الوجداني:
هل يمكننا أن نتصور عقدا ثمينا توحيد بين كل ثلاث حبات من حباته الذهبية حبة من الصفيح ينتظمها جميعا خيط واحد؟
من الذي يمكن أن تتوق نفسه إلى اقتناء مثل هذا العقد، ومن ذا الذي يمكن أن يقبل خط اتصال ينفصم انفصاما قد يشوه التمثيل أو يقضي عليه قضاء تاما؟
إن الاتصال بين الناس إن كان مهما في واقع الحياة فهو على خشبة المسرح أهم بمراحل.
وهذه الحقيقية مستمدة من طبيعة المسرح، تلك الطبيعة القائمة على الاتصال المتبادل بين شخصيات المسرحية.
إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور مؤلفا مسرحيا يقدم أبطاله وهم في حالة غيبوبة أو في حالة نعاس، فحينها تكون حياتهم النفسية غير قائمة بما هو مطلوب منها. كما لا يمكن أن نتصور أن يجمع ذلك المؤلف بين على المنصة بين شخصين لا يعرف احدهما الآخر فحسب، بل يرفضان التعارف وتبادل الأفكار والمشاعر أو يخفي كل منهما هذه الأفكار والمشاعر عن الآخر بأن يجلس كل منهما في طرف من طرفي المنصة.
وفي هذه الظروف لا يعود ثمة مبرر لدخول المتفرج إلى المسرح ما دام أن لن يجد في المسرح ما جاء من اجله، أي إحساسه بمشاعر الأشخاص المشتركين في المسرحية واكتشافه لأفكارهم.
وهناك أنماط ثلاثة من الاتصال هي:
1ـ الاتصال الوجداني المباشر بالشخص موضوع الحديث (أي بالزميل) الموجود على المنصة والاتصال غير المباشر بالجمهور.
2ـ اتصال الممثل بنفسه اتصالا وجدانيا.
3ـ الاتصال الوجداني بشخص غائب أو بشخص من صنع الخيال.
9ـ التكيف:
يقصد بكلمة التكيف تلك الوسائل الإنسانية الداخلية والخارجية التي يستخدمها الناس للتوفيق بين أنفسهم وبين الآخرين لإقامة علاقات شتى بينهم وبين غيرهم، كما يستخدمونها كعامل مساعد لتحقيق هدف معين.
وإننا نلجأ إلى وسائل التكيف في جميع صور الاتصال، حتى مع أنفسنا لأننا يجب أن ندخل في حسابنا الحالة النفسية التي نكون عليها في أية لحظة معينة.
إن كل ممثل له خصائصه الذاتية التي يتسم بها، وهي خصائص أصيله فيه، وتنبثق من منابع مختلفة، وتتفاوت في قيمتها. إن الرجال والنساء والشيوخ والأطفال والمختالين والمتواضعين وذوي الطبع الحاد وذوي القلوب الرحيمة وذوي الأمزجة العصبية وذوي الأمزجة الهادئة، كل من هؤلاء له نموذجه الخاص؛ وكل تغير في الظروف والبيئة ومكان الفعل وزمانه يؤدي إلى التكيف المناسب.
إن توفيقنا بين نفوسنا وظروفنا ونحن وحيدون في هدأة الليل يختلف عنه ونحن بين الناس، وعندما نصل إلى بلد أجنبي فإننا نهتدي إلى طرق تكيف نفوسنا بما يلائم الظروف المحيطة بنا.
وكل شعور يعبر عنه الممثل يقتضي في أثناء التعبير عنه، شكلا غير محسوس من أشكال التكيف خاصا بذلك الشعور وحده.
وكل أنواع الاتصال الذي يتم في جماعة من الناس مثلا، أو الاتصال بشيء خيالي أو بشيء حاضر أو غائب، كل هذه الاتصالات تتطلب طرقا للتكيف خاصة بكل منها ونحن نستخدم حواسنا الخمس جميعا وكل عناصر تكويننا الداخلي والخارجي للاتصال فنحن نرسل أشعة ونستقبلها ونستخدم أعيننا وتعبيرات وجوهنا وأصواتنا ونبراتها وأيدينا وأصابعنا وأجسامنا كلها وفي كل حالة نحقق أشكال التكيف المناسبة التي تقتضيها الظروف.
يجب أن يتعلم الممثل كيف يوفق بين نفسه وبين الظروف والزمن، وبين نفسه وبين كل فرد على حده وإذا دعت الحاجة إلى التعامل مع شخص غبي يجب أن نكيف سلوكنا بما يلائم عقليته وان نكشف أبسط الوسائل للوصول إلى ذهنه وإدراكه أما أذا كان الرجل الذي أمامنا حاد الذكاء فينبغي أن نتصرف بقسط اكبر من الحذر ونستخدم وسائل أكثر لطفا .
لقد قرأ بتولد بريخت كل هذا واستوعبه ثم كانت نظريته في المسرح الملحمي ، وقد طالعت دراسة جادة نشرت في صحيفة " دنيا الوطن " للكاتب المعروف نادر طاهر يقول فيها :
نبذة عن بروتولد بريشت
ولد برتولت بريشت في 10 فبراير 1898 في مدينة أوجسبورج. درس الطب في ميونخ, وهناك تعرف على لودفيج فويشتنفانجر, وعمل في مسرح كارل فالنتين. وفي عام 1922 حصل بريشت على جائزة كلايست عن أول أعماله المسرحية. وفي عام 1924ذهب إلى برلين, حيث مخرجا مسرحيا. وهناك اخرج العديد من مسرحياته.وتزوج عام 1929 من الممثلة هلينا فايجل Helene Weigel
وفي عام 1933 بعد استيلاء هتلر على السطة في ألمانيا, هرب إلى الدانمارك. ثم هرب عام 1941 من الدانمارك من القوات الألمانية التي كانت تتوغل في أوروبا, وتحتل كل يوم بلدا جديدا, فهرب إلى سانتا مونيكا في كاليفورنيا, وهناك قابل العديد من المهاجرين الألمان الذين فروا من الدولة الهتلرية, التي بدأت تمارس القهر والاغتيالات ضد المعارضين, وتفرض اضطهادا لا حدود له ضد اليهود, وتحرق كتب الأدباء التي لا ترضى عنهم. والتي كانت كتب بريشت من الكتب التي أحرقت.
وهناك في أمريكا لم يكن بريشت راضيا عن الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية في أمريكا. وفي عام 1947 حوكم برتولت بريشت في واشنطن, بسبب قيامه بتصرفات غير أمريكية
وفي عام 1948 عاد إلى الوطن ألمانيا, ولكن لم يسمح له بدخول ألمانيا الغربية, فذهب إلى ألمانيا الشرقية, حيث تولى هناك في برلين الشرقية إدارة المسرح الألماني. ثم أسس في عام 1949 "مسرح برلينر إنسامبل" (فرقة برلين). وتولى عام 1953 رئاسة نادي القلم الألماني. وحصل عام 1954 على جائزة ستالين للسلام. وقد أثر مسرح "برلينر إنسامبل" على المسرح الألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, وظل بريشت يعمل في هذا المسرح حتى وفاته في عام 1956.
كتب بريشت أولى أعماله المسرحية وهي"بعل" Baal وكان متأثرا فيها بفترة التعبيرية. أما في مسرحية "أوبرا الثلاثة قروش" 1928 التي حققت له نجنحا عالميا, فقد كانت تصور بطريقة عفوية مبدأ: "في البداية الطعام, ثم الأخلاق". وكان بريشت من أهم كتاب المسرح في ألمانيا قبل عام 1933. ولكن بعد استيلاء هتلر على الحكم، واضطهاده اليهود, وإحراقه كتب الأدباء الذين لا ينتهجون نهجا نازيا, هرب من ألمانيا إلى الدانمارك, وعاش فيها في الفترة بين عامي 1933 و 1939. ثم هرب إلى أمريكا حيث اجتاحت القوات النازية الدانمارك. وكتب في أمريكا أهم أعماله, منها نظريته عن المسرح الملحمي, التي نشرها بريشت عام 1948, بعنوان الأرجانون الصغير للمسرح.
لماذا سمى بريشت المسرح الملحمي بهذا الاسم :
سمى بريشت المسرح الملحمي بهذا الاسم نسبة الى الملحمة لانه يعتمد على السرد والقص في تقديمه للمسرحية حيث كان يخرج على خشبة المسرح شخص يسمى الراوي ويقوم برواية اغلب أحداث المسرحية على الجمهور اللذين يستمعون إليه .
لماذا اتجه بريخت إلى المسرح الملحمي ؟
كان المسرح في الربع الأول من القرن العشرين متركزا في أيدي الطبقة البرجوازية المسيطرة والتي لم يكن لها هدف من المسرح سوى التسلية ووضعها في خدمتها حيث كانت تستغل المسرح للحفاظ على سيطرتها مستخدمة جميع الوسائل لسد أبواب المسارح في وجه الطبقة العاملة .
لقد أصيب المسرح آن ذاك بكوارث كبيرة من أهمها التسطح الشكلي وخلوه من المضمون وقد كان الإخراج الذي استخدمه ماكس راينهارد خير دليل على هذا التسطح وذلك الخلو .
رأى بريخت انه لا يمكن منح المسرح وظيفة غير وظيفته تلك إلا من خلال إسقاط السلطة البرجوازية ولكن إسقاطها يحتاج إلى وعي سياسي واجتماعي وثوري , والمعروف أن المسرح يلعب دورا في تحقيق هذا الوعي لذلك اتجه برخت نحو مسرحي التعليمي والذي وجد صعوبة في نشره في البداية بسب منع البرجوازية له وذلك في مسرحية (الإجراء) عام 1930 .
نظرية المسرح الملحمي عند بريخت
رفض بريخت المسرح الأرسطي الذي يعتمد على التطهير وهو ان يندمج المشاهد كليا في العمل المسرحي والتالي تثار لديه عاطفتي الخوف والشفقة ومن ثم التطهير منها ,أما بريخت فقد رفض هذا المفهوم رفضا قاطعا واعتبر ان المسرحي الأرسطي ما هو الا تنويم مغناطيسي يعمل على اذهاب عقل المشاهد وحصره داخل أحداث العمل المسرحي من دون أن يكون لعقله أي دور في مناقشة الاحداث وتحليلها , اما المسرح الملحمي عند بريخت فيعتمد اعتمادا كليا على عقل المشاهد من خلال توعيته بكل ما يحدث وبالتالي مناقشة مشاكله وتغيرها بهدف إيجاد الحياة الأفضل للناس . ولقد وجد بريخت في سنواته الأخيرة أن مفهوم المسرح الملحمي مفهوم ضيق ولذا أستبدل بة مصطلح (المسرح الديالكتيكى). والذي يعنى أن يرى الجمهور شيئا مختلفا تماما عما يعرض أو يقال ويعنى هذا ......... انا أعرف شيئا أعرضه هكذا لكى يفهم المتفرج أنه قادر على تغييره ، اى يوجد جانب أخر غير ظاهر وغير ما يعرض، ولكن الجمهور يدركه. اكد بريشت على هذا إذ قال إنه على الجمهور أن يعى الديالكتيك لكى يتفهم طبيعة ما يحدث على المسرح ،اى لكى يعى المفارقة التى تحدثت عنها ، وهى إمكانية توصيل طبيعة التناقضات على خشبة المسرح إلى المتفرج وإظهار إمكانية التغير مما هو عليه إلى ما يمكن أن يكون عليه. ويعنى ذلك أذن مفهوم الديالكتيك ، ليس من جانب الجمهور ولكن من جانب الدرامى في المسرحية
كل ما قدمه بريخت لتطبيق مفهوم المسرح الملحمي
1-الاعتماد على السرد والقص في تقديم المسرحية :
كان القاص يجلس على خشبة المسرح ويقوم بسرد اغلب احداث المسرحية في حين ان المشاهد ياكل ويشرب ويلهو ويظل عقله نشطا متتبعا لاحداث المسرحية وفي اوقات قيام الممثلين بادوارهم يدخل المغني ويختصر المشهد او يعلق عليه بدلا من عرضه وذلك عندما يقترب المشاهد من الاندماج واثارة عاطفته ومن امثلة ذلك قول المغني في مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية ) :
حينما بلغت جاروشتا فشانا داس النهر سرا
ثقل عليها الهروب وبدا الطفل المسكين ثقيلا
في حقول الاذرة يصبح الصباح الوردي نفسه باردا
لمن لم يتذوق طعم النوم والتصادم المرح لجردال اللبن
في المزرعة التي يتصاعد منها الدخان يرن في اذن الهارب رنين التهديد
2- إسقاط الحائط الرابع :
والذي يعني عدم اندماج الممثل في الشخصية التي يقوم بتمثيل دورها وذلك حتى لا يندمج المشاهد معه فعلى الممثل ان يقوم بدور الشخصية فقط أي توصيل الفكرة للمشاهد لذلك يجب ان يعي الممثل جيدا انه يقوم بعملية التمثيل في اطار ثلاث حوائط اما الحائط الرابع فهو غير موجود ليحل الجمهور محله وبالتالي عليه ان لا يندمج في تمثيله حث كان الممثل لا يرتدي زيا معينا على خشبة المسرح بل يرتدي ثيابا عادية ويتم وضع ورقة على صدره يكتب عليها اسم الشخصية التي يقوم بتمثيلها الممثل .
3- التباعدية :
أي ان يتمكن الجمهور من الحفاظ على مسافة بين الخشبة والصالة حتى لا يتوحد بالأحداث ويصير جزءا منها وبالتالي يكون عاجزا على إصدار أي حكم.- ينبغي على الممثل أن لا يفكر بنقل المشاهدين إلى عالم من الغيبوبة، أو أن يسمح هو لنفسه بالانغماس في عالم من الغيبوبة أيضا - و أن يحافظ دائما على مسافة بينه وبين الشخصية التي يمثلها ليعطي الجمهور الإحساس بأن ما يجري أمامه ليس إلا لعبة مسرحية،موجها إياه إلى رد فعل انتقادي. وهذا ما يسمى ب(كسر الإيهام) عند بريخت .
4- إحلال بناء المسرحية الدائري بدلا من الهرمي :
حيث رفض برخت فكرة البناء الهرمي التقليدي للمسرحية ( عرض – عقدة – حل) واستبدله بالبناء الهرمي الذي يعتمد على مسرحية داخل مسرحية او مجموعة مسرحية تتكون من مجموعة من الفصل تختلف عن بعضها البعض والتي لا يربط بينها شيء إلا الإطار العام ومن امثلة ذلك مسرحية دائرة الطباشير القوقازية التي تعتمد على بناء مسرحية داخل مسرحية
5- التغريب :
لقد استخدم بريخت التغريب بمعنى تقديم الأمور المألوفة في صورة غربية , ان القوة التي تجبر المتفرجين على رؤية أو إدراك شيء مألوف كما لو انه جديد ويرى لأول مرة بمعنى انه عندما نتعود على رؤية او سماع شيء تعودا تاما يصبح من السهل الاعتقاد بان هذا الشيء هو دائما كذلك وبأنه سيكون كذلك , ولكن عندما يقدم إلينا شيء جديد نعتقد بانه ليس حتميا وعلى هذا نقبله ونقتنع به وقد نرفضه , ولإحداث التغريب استعان بريخت في إخراجه بعض الأفلام السينمائية أو صور فوتوغرافية مكتوبة بالفانوس السحري .
وبإمكان المسرح وهو يقدم حفلة ان يحصل على تأثير التغريب بشتى الوسائل وخلال عرض مسرحية ( حياة ادوارد الثاني الانجليزي ) في ميونخ سبق عرض مشاهد معينة منها عناوين تخبر المشاهدين لاول مرة حول المضمون .
وخلال عرض (اوبرا القروش الثلاثة ) الذي جرى في برلين اسقطت على الشاشة أسماء الأغاني بينما كانت تنشد .
6- اخراج بريشت وعمله مع الممثلين
كان بريخت اثناء التدريبات يجلس في صالة الجمهور ويشاهد الممثلين عن قرب وعندما يدخل او يخرج لا يعيق عمل الممثلين حتى انه لا يتدخل لا بالتحسين ولا بالتعديل فهو لا يعتبر الممثلين ادواته فبدلا من التعديل يبحث معهم سويا عن القصة التي ترويها المسرحية .
ان بريخت ليس من المخرجين الذين يعرفون افضل من الممثلين فهو يقف منهم موقف غير العارف لنه لا يريد معرفة ما هو مكتوب بل يريد رؤية كيف يمثل المكتوب
كان بريخت في اخراجه حريصا على ان يجعل كل شيء جميل كجمال الغرفة وجمال المصنع والوان ملابس النساء ... الخ لان المسرح التعليمي يجب ان يكون مسليا ايضا
اما عن علاقة بريخت بالممثلين فكانت علاقة قوية لانه لا يقف منهم موقف الجلاد بل كان يكثر من الفكاهة معهم ولا يجبر احدهم على فعل شيء هو غير راض عنه ولا يجهد الممثل اذا كان مزاجه لا يقبل العمل بصورة كبيرة .
فهدفه هو اظهار سلوك الناس في مواقف معينة فهو لا يهتم ان كان الممثل متحمسا او باردا في العملية .
7- طريقة الدراسة التدريجية وبناء الشخصية :
على الممثل ان يطبع جيدا في ذاكرته هذه العملية التدريجية للدراسة ليتمكن في النتيجية ان يعرض على المشاهد مجمل الطريق المعقد لتطور هذه الشخصية والتدرج ضروري ليس فقط للكشف عن تلك التغيرات التي تمر بها الشخصية في مختلف مراحل المسرحية بل ومن اجل المحافظة على مفاجآت صغيرة ولكنها جوهرية معدة للمشاهد وحاملة اياه على القيام باكتشافات خاصة به
8- فيما يتعلق بالديكور والموسيقى والمنصة
أ- المهمة الاجتماعية للمصمم وأهمية الديكور في عمق المنصة :
ان على مصمم المنصة الا يضع شيئا على مكان ثابت مرة والى الأبد كما ان عليه الا يغيره كذلك بلا سبب او ان يغير مكان شيء ما ذلك انه يقدم صورة عن العالم والعلم يتغير وفق قوانين لم تكتشف بعد بصورة نهائية ومع ذلك فان تطور العالم لا يراه مصمم المنصة وحده ولكن يراه ايضا أولئك الذين يراقبون من داخل صالة العرض ما يصوره هذا المصمم والمهم ليس فقط رؤية العالم من قبل مصمم المنصة نفسه بل المهم كذلك هو الى أي مدى تستطيع هذه الرؤية مساعدة المشاهد على فهم العالم وهذا يعني ان على مصمم المنصة ان يتذكر النظرة الانتقادية التي يتحلى بها المشاهد .
ب- تحديد مهمات الممثلين على اعتبارهم عناصر أساسية في تصميم المنصة :
يتمتع مصمم المنصة الذي يمتلك وسائل تعبيرية خاصة يتمتع بحرية محددة من فهمه لنص المؤلف والعرض المسرحي يمكن ان يقاطع بعرض مناظر مرسومة وأفلام سينمائية ومصمم المصة يعمل بانسجام مع الفنانين الآخرين الذين يتعاونون على اقامة الحفلة على سبيل المثال والآلات الموسيقية والممثلون يشكلون بالنسبة لمصمم المنصة اهم عناصر الديكور
ج- تصميم ساحة التمثيل :
ان الساحة الجيدة هي التي تاخذ شكلها الذاتي في مجرى تغيير الممثلين لمواقعهم خلال التمثيل وهذا يعني ان احسن طريقة لمصمم الديكور هو ان يتم الانتهاء من عملية تحديد الديكور في مجرى عملية التمارين وخلال التمارين يدرس حقيقة ابعاد امكانيات الممثل ويستطيع ان يهب لنجدته في اللحظة المناسبة ومن اجل التوصل الى التاثير المرغوب ويحتاج الانسان الاعرج الى مكان اكبر من اجل الحركة على خشبة المسرح وبامكان مصمم المنصة ان يتدبر امره بشكل واضح مع وسائل فقيرة اذا ما دخلت عناصر معينة من التصميم على اعتبارها اجزاء اساسية من لعب الممثل والممثلون بدورهم يستطيعون بمساعدة مصمم المنصة ان يتغلبوا على صعاب كثيرة وتبعا للتصميم العام للديكور الذي يقع على اختيار مصمم المنصة يصادف في احيان كثيرة ان يغير معنى الملاحظات بينما يغني لعب الممثل بحركات يد جديدة .
د- الإضاءة في المسرحية :
يجب الابتعاد عن الإضاءة المؤثرة أثناء عملية التمثيل حتى لا يندمج المشاهد في المسرحية من خلال تلك الإضاءة
ه- استخدام الموسيقى في المسرح الملحمي :
طبق المسرح الملحمي الموسيقى عند اخراج (اوبرا القروش الثلاثة) (طبول في الليل) (حياة فال المعادية للمجتمع) (حياة ادوارد الثاني الانجليزي) (ماهغوني) (الام) (ذو الرؤوس المدورة والرؤوس المدببة)
وكان اخراج اوبرا القروش الثلاثة عام 1928 يعتبر انجح اخراج قام به المسرح الملحمي وفي هذه المدة استخدمت الموسيقى باسلوب جديد .
ان انصع تجديد هنا كان يتمثل في تمييز القطع الموسيقية بوضوح من مجمل الحدث المسرحي لقد اكد على ذلك من حيث المظهر ايضا حيث احتلت فرقة مسرحية ليست بالكبيرة مكانا من المسرح ملاحظا من قبل جميع المشاهدين وخلال اداء الاغاني كانت الانارة تتغير وعرض الفانوس السحري على خلفية خشبة المسرح .
لقد اظهرت المسرحية القرابة الشديدة للعالم الروحي بين قطاع الطرق وبين البرجوازيين كما اظهرت عن طريق الاستعانة بوسائل الموسيقى ان قطاع الطرق هؤلاء انما يشاطرون الاحاسيس والانفعالات والخرافات الخاصة بكل من البرجوازي الصغير والمشاهد المسرحي .
مقارنة بين المسرح الدرامي والمسرح الملحمي :
المسرح الدرامي المسرح الملحمي
تجري فيه الاحداث الاحداث تروى فيه رواية
تستهلك فاعلية المتفرج فاعلية المتفرج تكون متيقظة تماما
المتفرج يشترك في قلب الاحداث المتفرج يطلع على الاحداث ويدرسها
يهدف الى تفسير العالم يهدف الى تغير عالم
الممثل يندمج في الشخصية الممثل يكون بعيدا عن الشخصية
غايته التطهير غايته التعليم
يعتمد على العاطفة والشعور يعتمد على العقل
كل فصل في المسرحية مرتبط بالآخر كل فصل مستقل بذاته
المشاهد يتلهف على المخرج والنهاية فالمشاهد يتلهف على مجرى الأحداث