ذكريات
بقلم : بدرالدين حسن علي
هذا الموضوع كتبته
ثلاث مرات ومزقته ثلاث مرات ، لأني وفي كل مرة أكتبه أحس كأنما أكتب عن والدي –
رحمة الله عليه – فقد قابلت الراحل المقيم حسن الطاهر زروق في فترة هامة جدا في
حياتي ، بل وشكلت منعطفا حادا ما تزال آثاره باقية ،إنه يعني لي وببساطة القوة
الشدة والصدق ، وأكون صريحا معكم هذا الرجل قابلته وكنت فعلا أحتاج لرجل مثله
وكثيرا ما يتراءى لي في منامي ، وعندما تكرر هذا أدركت كم أحبه ، لذا الكتابة عنه
صعبة ولكن لا بد من ذلك ، أنا أكتب عنه كإنسان وفنان
تعرفت عليه ذات يوم من عام 1976 في بغداد ، كان عمره في ذاك الوقت 60 عاما ،
كان موفور الصحة والعقل السديد ، كنت أصغره بسنوات كثيرة ، ورغم هذا الفارق
في السن إلا أنه كان صديقي الصدوق ، وكنت ألجأ إليه في كل شؤوني الخاصة والعامة ،
خاصة وأن والدي حكى لي عنه كثيرا ، وعندما إلتقيته كنت سعيدا جدا ، فها أنذا ألتقي
برجل في قامة والدي تماما ، ولكنه كان يصر على أن يقول أنه لا يهتم بالعمر لذا من
الأفضل أن نكون أصدقاء وقبلت العرض ،وبدأت علاقتي به بأن أهداني كتابه ” حرية الفن
” الذي قرأته عدة مرات وكان مصدري الوحيد لكتابي” المسرح والديمقراطية ”.
بالمناسبة حسن الطاهر زروق
له كتاب قيم جدا بعنوان " السودان إلى
أين "
هناك قصتان طريفتان لا
زلت أذكرهما عن حسن الطاهر زروق ، الأولى تعود إلى الستينات من القرن الماضي ،
كانت لي علاقة حميمة بحسن عبد الوهاب وكنا نعمل معا في ” الحوش ” – الإذاعة
والتلفزيون والمسرح-وكان حسن كادرا قياديا في تنظيم الأخوان المسلمين ، وكنا نجلس
معا في كثير من الأحيان لتناول الفطور ، حسن كان ذكيا جدا ولماحا وصاحب نكته هو
والإذاعي النبيه إسماعيل طه ، المهم أذكر في يوم من الأيام كنا نتحدث عن المسألة
السودانية والديمقراطية والإنتخابات وهلم جرا ، كان حسن يحكي عن تجاربه في الحياة
، وأذكر أنه حكى لي عن حسن الطاهر زروق بعد فوزه في دوائر الخريجين بعدد قليل من
الأصوات بعد ثورة أكتوبر 1964 ، وفي يوم إفتتاح البرلمان قابل زروق أحد شيوخ
القبائل الذين فازوا في الإنتخابات وهو يبحث عن كرسي ليجلس عليه ، فسأله زروق عن
عدد الأصوات التي حصل عليها فقال له الشيخ : والله ماني عارف كان ميه كان ميتين
ألف ، فقال له زروق : ياخي إنت حقو يدوك كنبة مش كرسي ّ
أما الطرفة الثانية تعود
إلى الثمانينات من القرن الماضي ، وكنت جالسا جنب صديقي جعفر عباس شقيق صديقي
الآخر محجوب عباس في منزل ” ناس العالم ” العامر بالجلسات الثقافية بحي البوسته
بأم درمان ، وكنت يومها عائدا إلى السودان بعد غربة إمتدت لسنين وإنتهت في العراق
والكويت ، إلتفت نحوي جعفر وسألني عن حسن الطاهر زروق ؟ فقلت له بخير ، قال لي :
ياخي أنا عمري ما شفت بني آدم يحب أم كلثوم زي الراجل ده ، تصور مرة قال لو الثورة
السودانية نجحت وأم كلثوم بتغني عنها ما نجحت !
عندما قابلت حسن الطاهر
زروق كان يومها لاجئا سياسيا وهو ما لن أتحدث عنه في هذه المقالة
تاركا ذلك لآخرين وأرجو أن يفعلوا ، لأن علاقتي به كانت علاقة أدبية ثقافية
فنية ، وحقيقة – وأعترف بهذا – على كبر سني كان أستاذي وعلمني الكثير جدا ،
وأعترف أكثر بأني قضيت معه الساعات الطوال نتحدث عن الأدب والفن وعن كوكب الشرق أم
كلثوم التي كان يحبها كثيرا وله كتاب عنها وعن أغانيها والشعراء الذين غنت لهم ،
ولكن ابن أخته فيصل – ونسيت اسم والده –لم يستوعب كريزماه ، فحسن الطاهر زروق من
كبار أبناء بربر” مواليد 1916″ ومن كبار معلمي السودان في
الوسطى والثانوية و برلماني وسياسي قوي وعنيد ، ولكن الأهم من كل ذلك كان قصاصا
ماهرا ومبدعا وأنا أسميه بفخر شديد رائد القصة الواقعية في السودان ، وعندما
أهداني مجموعة من قصصه إندهشت لقدرته الفائقة في طرحه الواقعي لقضايا بلده ،وأعظم
هدية تلقيتها في حياتي تلك التي جاءتني من حسن الطاهر زروق عندما أهداني قصة ” حي
بن يقظان ” لإبن طفيل مع مجموعة كبيرة من الكتب الأدبية والثقافية شحنتها جميعا
وأرسلتها لشقيقي عبد اللطيف لأني قررت يومها العودة للسودان ، وأقول
لكم بصراحة هو الذي علمني حب الموسيقى وكان قارئا نهما واسع الإطلاع والمعرفة
وكاتبا متميزا وله كتابات في العديد من الصحف والمجلات السودانية والمصرية أدبا
وثقافة وسياسة ، وبإختصار شديد هو واحد من السودانيين الذين أثروا الساحة الثقافية
السودانية ، ولو كنت نادما على شيء في حياتي فأنا نادم على عدم التوثيق له
بعد أن إلتقيته وتحدثت معه ، فضيعت تلك الفرصة الثمينة التي هيأها لي الله وجمعتني
برجل مثل حسن الطاهر زروق
ثم حدث أن إنضم إلينا
الشاعر المرهف الرقيق الراحل المقيم عثمان خالد فانطلقنا ثلاثتنا نملأ الأرض جنونا
بحلو الكلام ورقة الوصف والخيال خاصة هذا الذي اسمه عثمان خالد والذي لن أنساه كل
حياتي ، فحولنا بغداد المدينة المستكينة إلى جنة وارفة ومشاغلة ” بنات
العراق ” الحلوات أيضا ببراءة شديدة يضحك لها عثمان خالد حتى يقع أرضا ،
وعاد- عمنا حسن – وآسف للتعبير يلهو ويلهو ولا شيء غير اللهو البريء ، ولكنه
أعطانا من غزارة علمه الكثير ، وأهم شيء أهداه لي هو أنه قدمني لعدد كبير من
الكتاب والمخرجين والممثلين المصريين أمثال صديقه الحميم الممثل النابغة علي
الشريف ويوسف شاهين وكمال الشناوي وسياسيين كثيرين .
وكان حسن الطاهر
زروق حزينا جدا عندما أعلمته في ذات يوم بقرار سفري إلى الكويت بعد أن ضاق
بي الحال في بغداد المدينة التي أحببتها كثيرا ، فسلمني رسالة لصديق عمره
القائد النقابي الراحل المقيم ناصر الفرج وكان وقتها رئيس إتحاد عمال الكويت
وسلمتها بدوري لمدير مكتبه عمر محمد خير المقيم بيننا هنا في تورنتووزوج سليمة
السباعي .
فارقته وكلي إنشغال
بأسرتي التي كنت دائم الإتصال بهم لدرجة أنهم طلبوا عدم عودتي للسودان ، وأذكر
جيدا أنني في عام 1980 كنت قد إتخذت قرارا بالعودة إلى بغداد فقط لملاقاة حسن
الطاهر زروق ولكنه سبقني بالرحيل في نفس العام ، فغيرت قراري وعدت للسودان
، وكانت أسرتي سعيدة بعودتي وكذلك خالي
الفكي عبد الرحمن سعيدا بتلك العودة وذهب خصيصا لمقابلة خالد
المبارك - وكان يومها
عميد معهد الموسيقى والمسرح -ليبحث معه إمكانية عودتي للعمل وكان ذلك في مقدوره
ولكنه إعتذر ، بل كما قال لي الفكي طلب أن أحضر له موافقة جهاز الأمن السوداني على
إعادة تعييني
بالمعهد .
حسن الطاهر زروق كان
مفتونا بالمطربة الرائعة
أم كلثوم ، وقد حفظت عن
ظهر قلب جميع أغانيها . Bottom of Form
أراك عصى الدمع
إحدى روائع أبى فراس
الحمدانى من شعراء العصر العباسى ، وسبق غناؤها بواسطة عديد من المطربين بألحان
مختلفة ، " من بينهم عبدالكريم
الكابلي " ويظهر من إقدام السنباطى على تلحينها دخوله فى مباراة تاريخية فى
تلحين القصائد ، وقد أبدع فى لحنها الجديد وأضاف صوت آلة غربية هى البيانو فى خطوة
غير مسبوقة فى ألحان رياض
أراك عصى الدمع … شعر
أبى فراس الحمدانى
لحن الشيخ أبو العلا
محمد … مقام بياتى عام 1928
لحن رياض السنباطى …
مقام كـورد عام 1964
أراك عصى الدمع شيمتك
الصبر … أما للهوى عليك نهى ولا أمر
نعم أنا مشتاق وعندى
لوعة … ولكن مثلى لا يذاع له سر
إذا الليل أضوانى بسقط
يد الهوى … وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين
جوانحى … إذا هى أذكتها الصبابة والفكر
معللتى بالوصل والموت
دونه … إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
وقالت لقد أغرى بك
الدهر بعدنا … فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر
.
ســلوا قــلبى
إحدى قصائد سلسلة من
أشعار أمير الشعراء أحمد شوقى قدمتها أم كلثوم ، وجميعها غنتها بعد وفاته ، حققت
نجاحا كبيرا واستمرت إذاعتها حتى اليوم ، وعلى غير العادة قررت أم كلثوم إعادة
غنائها فى إحدى حفلاتها بعد 21 عاما فى 1967 واستقبلت استقبالا حارا من الجمهور ،
وهى من أفضل كلاسيكيات الموسيقى العربية
ســـلوا قلــبى … شعر
أحمد شوقى
لحن رياض السنباطى …
مقام راست 1946
سلوا قلبى غداة سلا
وتابا … لعل على الجمال له عتابا
ويسأل فى الحوادث ذو
صواب … فهل ترك الجمال له صوابا
وكنت إذا سألت القلب
يوما … تولى الدمع عن قلبى الجوابا
ولى بين الضلوع دم ولحم
… هما الواهى الذى سكن الشبابا
تسرب فى الدموع فقلت
ولى … وصفق فى الضلوع فقلت تابا
ولو خلقت قلوب من حديد
… لما حملت كما حمل العذابا
ولا ينبيك عن خلق
الليالى … كمن فقد الأحبة والصحابا
فمن يغتر بالدنيا فإنى
… لبست بها فأبليت الثيابا
جنيت بروضها وردا وشوكا
… وذقت بكأسها شهدا وصابا
فلم أر غير حكم الله
حكما … ولم أر دون باب الله بابا
وأن البر خير فى حياة …
وأبقى بعد صاحبه ثوابا
نبى البر بينه سبيلا …
وسن خلاله وهدى الشعابا
وكان بيانه للهدى سبلا
… وكانت خيله للحق غابا
وعلمنا بناء المجد حتى
… أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
وما نيل المطالب
بالتمنى … ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم
منال … إذا الإقدام كان لهم ركابا
ابا الزهراء قد جاوزت
قدرى … بمدحك بيد أن لى انتسابا
فما عرف البلاغة ذو
بيان … إذا لم يتخذك له كتابا
مدحت المالكين فزدت
قدرا … فحين مدحتك اجتزت السحابا
سالت الله فى ابناء
دينى … فإن تكن الوسيلة لى أجابا
وما للمسلمين سواك حصن
… إذا ما الظلم مسهم ونابا
رباعيات الخيـام
القصيدة الأصلية للشاعر
الفارسى عمر الخيام و ترجمها أحمد رامى شعرا إلى العربية ، سميت بالرباعيات لكونها
تتألف من مقاطع صغيرة فى كل منها أربع شطرات فى بيتين من قافية جديدة ، الشطرة
الأولى والثانية والرابعة متماثلة القافية مع اختلافها فى الثالثة ، وبهذا تختلف
عن القصيدة التقليدية من حيث عدم التقيد بنفس القافية ، وهى تقترب من شكل من أشكال
الزجل إلا أن الزجل يكون باللغة العامية
والقصيدة مليئة بأبيات
الحكمة وهو من أسرار نجاحها ، وهى من أعمال أم كلثوم الكبرى وحققت نجاحا هائلا
رباعيـات الخيـام …
ترجمة أحمد رامى
ألحان رياض السنباطى …
مقـام راست 1949
سمعت صوتا هاتفا فى
السحر … نادى من الغيب رفات الشر
هيا املأوا كأس المنى
قبل أن … تملأ كأس العمر كف القدر
لا تشغل البال بماضى
الزمان … ولا بآت العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته
… فليس فى طبع الليالى الأمان
غد بظهر الغيب واليوم
لى …وكم يخيب الظن فى المقـبل
ولست بالغافل حتى أرى …
جمال دنياى ولا أجتلى
الفلب قد أضناه عشق
الجمال … والصدر قد ضاق بما لا يطاق
يارب هل يرضيك هذا
الظمأ … والماء ينساب أمامى زلال
أولى بهذا القلب أن
يخفقا … وفى ضرام الحب أن يحرقا
ما أضيع اليوم الذى مر
بى … من غير أن أهوى وأن أعشقا
أفق خفيف الظل هذا
السحر … نادى دع النوم وناجى الوتر
فما أطال النوم عمرا
ولا … قصر فى الأعمار طول السهر
فكم توالى الليل بعد
النهار … وطال بالأنجم هذا المدار
فامش الهوينة إن هذا
الثرى … من أعين ساحرة الإحورار
لا توحش النفس بخوف
الظنون … واغنم من الحاضر أمن اليقين
فقد تساوى فى الثرى
راحل … غدا ومن ألوف السنين
اطفئ لظى القلب بشهد
الرضاب … فإنما الأيام مثل السحاب
وعيشنا طيف خيال فنــل
… حظك منه قبل فوات الشباب
لست ثوب العيش لم أستشر
… وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عنى
ولم … أدرك لماذا جئت أين المفر
يا من يحار الفهم فى
قدرتك … وتطلب النفس حمى طاعتك
أسكرنى الإثم ولكنى …
صحوت بالآمال فى رحمتك
إن لم أكن أخلصت فى
طاعتك … فإننى أطمع فى رحمتك
وإنما يشفع لى أننى قد
… عشت لا أشرك فى وحدتك
تخفى عن الناس سنى
طلعتك … وكل ما فى الكون من صنعتك
فأنت ملاه وأنت الذى …
ترى بديع الصنع فى آيتك
إن تفصل القطرة من
بحرها … ففى مداه منتهى أمرها
تقاربت يا رب ما بيننا
… مسافة البعد على قدرها
يا عالم الأسرار علم
اليقين … يا كاشف الضر عن البائسين
يا قابل الأعذار عدنا
إلى … ظلك فاقبل توبة التائبين
.
الأطـــــــلال
القصيدة المغـناة يختلف
نصها عن القصيدة التى وردت فى ديوان ناجى بنفس الاسم ، وقد أضيف إليها مقطع من
قصيدة أخرى لناجى وهو البادئ بالبيت هل رأى الحب سكارى مثلنا ، وبلغ التوفيق حده
فى هذا المزج إذ أن ذلك المقطع بلغ ذروة القصيدة بل إنها اشتهرت به ، والشاعر الدكتور
ابراهيم ناجى كان طبيبا بالفعل وعرف عنه إنسانيته البالغة فى معاملته لمرضاه حتى
أنه كان يعطى مرضاه من الفقراء نقودا بدلا من أن يتقاضى منهم أجرا
رياض السنباطى فى هذه
القصيدة حلق بالنغم فى آفاق جديدة ، فرغم شرقيته المفرطة إلا أن اللحن بدا وكأنه
يطرق نغمات جديدة على السمع ، فقد تخلص السنباطى من كثير من الجمل التقليدية وصاغ
جملا بعيدة عن التوقع ، وقد وفق تماما فى التعبير عن الموضوع نصا وكلمات بل وربما
حروفا أيضا ، ويبلغ اللحن أقصى مداه فى التعبير فى تصوير الأبيات حسب موقفها
الدرامى ، ومن عجائب لحن الأطلال أنه لم يلق ذلك القبول الفائق الذى لقيه فى أسماع
الناس وقلوبها من أول مرة ، فقد جاءت الأطلال يعد موجة من ألحان عبد الوهاب لأم
كلثوم وضع فيها كيرا من الإبهار ، وتعـود الناس على هذا الأسلوب حتى جاء السنباطى
فبهر الجميع ليس بالآلات الجديدة ولا الإيقاعات الجذابة وإنما بقوة التعبير
الفائقة والتى احتاجت لبعض الوقت حتى يمكن للجمهور قراءة النص جيدا ، خاصة أنها
قصيدة شعرية
غنت أم كلثوم الأطلال
فى إحدى حفلاتها بالقاهرة عام 1966، واختارت أن تغنيها بعد ذلك بعام على مسرح
أولمبيا فى باريس عام 1967 وهنا قامت الدنيا ولم تقعد فقد استمع إليها مباشرة
جمهور جديد ، وانبهر الناس بأدائها خاصة حين غنت أعطنى حريتى أطلق يديا ، وأحدث
أداؤها دويا هائلا جذب الناس إليها جذبا ، وتظل الأطلال حتى يومنا هذا نموذجا
رائعا للموسيقى العربية الأصيلة
الأطــــــلال … شـعر د. ابراهيم ناجى
ألحان رياض السنباطى … مقــــام هــزام 1966
يا فؤادى لا تسل أين
الهوى … كان صرحا من خيال فهوى
اسقنى واشرب على أطلاله
… وارو عنى طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبرا
… وحديثا من أحاديث الجوى
لست أنساك وقد أغريتنى
… بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوى كيد … من
خلال الموج مدت لغريق
وبريق يظمأ السارى له …
أين من عينيك ذياك البريق
يا حبيبا زرت يوما أيكه
… طائر الشوق أغنى ألمى
لك إبطاء المذل المنعم
… وتجنى القادر المحتكم
وحنينى لك يطوى أضلعى …
والثوانى جمرات فى دمى
أعطنى حريتى أطلق يديا
… إننى أعطيت ما استبقيت شيا
آه من قيدك أدمى معصمى
… فلم أبقيه وما أبقى عليا
ما احتفاظى بعهود لم
تصنها … وإلام الأسر والدنيا لديا
أين من عبنى حبيب ساحر
… فيه عز وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشى ملكا
… ظالم الحسن شهى الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى
… ساهم الطرف كأحلام المساء
أين منى مجلس أنت به … فتنة
تمت سناء وسنى
وأنا حب وقلب هائم …
وفراش حائر منك دنا
ومن الشوق رسول بيننا …
ونديم قدم الكأس لنا
هل رأى الحب سكارى
مثلنا … كم بنينا من خيال حولنا
ومشينا فى طريق مقمر …
تثب الفرحة فيه قبلنا
وضحكنا ضحك طفلين معا …
وعدونا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
… وأفقنا ليت أنا لا نفيق
يقظة طاحت بأحلام الكرى
… وتولى الليل والليل صديق
وإذا النور نذير طالع …
وإذا الجر مطل كالحريق
وإذا الدنيا كما نعرفها
… وإذا الأحباب كل فى طريق
أيها الساهر تغفو …
تذكر العهد وتصحو
فإذا ما التأم جرح … جد
بالتذكار جرح
فتعلم كيف تنسى … وتعلم
كيف تمحو
يا حبيبى كل شيء بقضاء
… ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا …
ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله …
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته … لا
تقل شئنا فإن الحظ شاء
أقبــل الليـــل
إحدى قصائد أحمد رامى القليلة نسبة إلى ما ألفه
بالعامية ، ويظهر فيها تأثره بشعر العامية الغنائى فى كثرة تغيير الوزن والقافية
وفى استعماله للتعبيرات الشائعة فى أغانيه العامية مثل ظنونى ، شجونى ، أنينى ،
الضنى
وقد استخدم رياض فى هذه
الأغنية آلة الأورج فى أكثر من مقطع ، ويبدو أنه قد أعجب بصوت الآلة الجديدة فكرر
استخدامها فى عدة قصائد فى أواخر الستينات ، وكان فد عرف بأنه من الموسيقيين
المحافظين لكنه اتجه للتجديد فى تلك الفترة متأثرا بما كان يقدمه محمد عبد الوهاب
من تجديد كبير فى ألحانه لأم كلثوم ، وكان السنباطى عام 1964 قد استخدم آلة
البيانو لأول مرة فى ألحانه بينما استخدمه عبد الوهاب فى العشرينات فى أغنية الصبا
والجمال كما استخدمه سيد درويش قبل ذلك
أما أم كلثوم ، ورغم
تجاوزها الستين عاما ، فقد أسرت السامعين بصوتها العذب وأدائها الساحر خاصة فى
مقدمة هذه القصيدة ولا يمكن تخيل أنه بمقدرة مطربة أخرى أداء تلك المقدمة على ذلك
النحو من إجادة التعبير
أقبـــــل
الليـــــــــل … شــعر أحمــد رامى
لحن
رياض السنباطى … مقــام كــورد 1968
أقبــل الليــل يا
حبيبى ونــــادانى حنينى … وسرت ذكراك طيفا هام فى بحر ظنونى
ينشر الماضى ظلالا … كن أنســا وجمــــالا
فإذا قلبى يشتاق إلى عهد شجونى … وإذا دمعى
ينهـــل على رجع أنينى
يا هدى الحيران فى ليل الضنى … أين أنت
الآن بــــــل أين أنـــــــا
أنا قلـب خفـــــاق … فى دنيا الأشـــواق
أنا روح هيمـــان … فى وادى الأشجان
تاه فكرى بين أوهــامى وأطياف المنى … لست أدرى
يا حبيـــــبى من أنا أين أنا
با بعيد الدار عن عينى
ومن قلبى قريبا … كم أنــــاديك بأشــواقى ولا ألقى مجيبا
تقبل الدنيـا على أهل الهوى أنسا وطيبا …
وفؤادى كاد من فرط حنيــنى أن يذوبا
لو عدت لى رد الزمان إلىّ سالف بهجتى …
ونســــيت ما لاقيت منه فى ليالى وحدتى
يا هدى الحيران فى ليل الضنى … أين أنت الآن
بــــــل أين أنـــــا
تاه فكرى بين أوهــامى وأطياف المنى … لست أدرى
يا حبيـــــبى من أنا أين أنا
أواه با ليــل طال بى
سهرى … وساءلتنى النجوم عن خبرى
ما زلت فى وحدتى أسامرها … حتى سرت فيك نسمة
السحر
وأنا أسبح فى دنيـــا تراءت لعيونى … قصة أقرأ
فيها صفحات من شجونى
بين مـــــاض لم يـــــــدع لى … غير ذكرى عن
خيالى لا تغيب
وأمـــــــــانى صـــــورت لى … فى غــد
لقيــــــــا حبيب لحبيب
النوم ودع مقلتى
… والليـل ردد أنتى
والفجر من غير ابتسامك … لا يبــــــدد
وحشــــــــتى
يا هدى الحيران فى ليل الضنى … أين أنت الآن بــــل
أين أنــــــــا
تاه فكرى بين أوهامى وأطياف المنى … لست أدرى
يا حبيـــبى من أنا أين أنا
يا قلبى لوطال بى زمانى
… وأنعـــم الدهـــر بالتـــدانى
تبســم الفجــــر لعيـــونى … وغــرد الطيـــر
فى لسـانى
وبت بالنشــــوة أغـــــنى … والليل يروى
الحديث عـنى
ياهدى الحيران فى ليل الضنى … قد غـــدوت الآن
أدرى من أنــــا
أنا طير رنام … فى دنيا الأحلام
أنا ثغر بسام … فى صفو الأيـام
كنت وحدى بين أوهامى وأطياف المنى …
والتقـــينا فبدا لى يا حبيبى من أنا أين أنا
·